لماذا لا نفكر في الإدراج المزدوج ؟
كثرت المطالب الموجهة لهيئة السوق المالية بتعميق السوق من خلال الإسراع في طرح شركات جديدة. لكن هل زيادة عدد الشركات المساهمة هو قرار الهيئة بالدرجة الأولى؟ بالطبع لا، فصاحب القرار الأول والأخير همي الشركات نفسها. لذلك من غير المنطق أن تتم مطالبة الهيئة بالإسراع في إدراج المزيد من الشركات، ففاقد الشيء لا يعطيه. لكن من الطبيعي والمنطقي مطالبة الهيئة بزيادة عمق السوق عن طريق السماح بالإدراج المزدوج "Dual listing or co-listing". فغالبية الأنظمة واللوائح الخاصة بالأسواق المالية الإقليمية والعالمية تسمح للشركات الأجنبية أن يتم إدراج جزء من أسهمها في سوقها المالي بالرغم من أن أسهم هذه الشركات مدرج في سوق مالي آخر.
بسبب ما يتمتع به سوق الأسهم السعودية من حجم تداول عال وسيولة خارجية ضخمة راغبة في الاستثمار، تستطيع هيئة السوق المالية السعودية وفي غضون فترة قصيرة إدراج العشرات من الشركات الأجنبية الكفؤه. الإدراج المزدوج لن يزيد عمق السوق و الفرص الاستثمارية للمواطن السعودي فحسب بل سيساعد في حل الكثير من المشاكل الحالية التي يعاني منها السوق. فدخول شركات عملاقة ولها تاريخ عريق ومدرجة في أسواق عالمية عالية الكفاءة سيساعد في تحسين مستويات الإفصاح إلى الدرجات التي نطالب بها. فالكثير من هذه الشركات تعمل بمستويات مهنية وأخلاقية عالية يمكن ملاحظتها من خلال كمية ودقة المعلومات التفصيلية التي تحتويها القوائم المالية المعلنة. لذلك فوجود هذا النوع من الشركات في السوق السعودي ستكون بمثابة القدوة وفي الوقت نفسه وسيلة ضغط على الشركات المساهمة المحلية لكي تقوم برفع درجة الإفصاح لديها.
ومن الفوائد المهمة التي سيجنيها سوق الأسهم السعودية من الإدراج المزدوج هو إرجاع السوق إلى طبيعته ليصبح سوقا استثماريا من الدرجة الأولى وليس سوق مضاربة أو مغامرة كما هو الآن. فالسواد الأعظم من الشركات العالمية الكفؤه تتداول أسهمها عند مستويات استثمارية مقبولة جداً. فبالتالي وعند إدراجها في السوق السعودي ستبقى عند هذه المستويات بسبب الترجيح Arbitrage فلو ارتفع سعر السهم في السوق السعودي إلى مستويات سعرية مبالغ فيها- وأعلى من السعر السوقي للسهم في السوق الآخر المدرج فيه السهم نفسه - سيقوم المرجحون Arbitrageurs ببيع السهم في السوق السعودي مما سيبقيه على المستويات السعرية العادلة. ففي المحصلة، هذه المستويات السعرية للشركات الأجنبية ستجبر معظم أسعار أسهم الشركات المتداولة في السوق للبقاء عند الأسعار المعقولة استثمارياً.
قد تجد هيئة السوق المالية إنه من الصعب في الوقت المنظور الموافقة للشركات الأجنبية غير الخليجية بإدراج أسهمها في سوق الأسهم السعودية نظراً لاعتبارات عديدة، لكن لن تكون هناك معوقات تذكر أمام الشركات الخليجية بإدراج أسهمها في السوق السعودي بسبب التطابق الكبير بين اقتصاديات دول الخليج العربي. هذا القرار سيأتي متزامنا مع توجهات دول مجلس التعاون الخليجي بتوحيد السياسات المالية والاقتصادية لهذه الدول بما فيها إنشاء بورصة خليجية موحدة للأوراق المالية. فالإدراج المزدوج يعتبر من أهم الخطوات اللازمة لإنشاء هذه البورصة.
أستاذ العلوم المالية المساعد - جامعة الملك فيصل
www.barrak.com