"الشؤون الاجتماعية" من متسلم زكاة إلى دافع لها

<p><a href="mailto:[email protected]">Alkhedheiri@hotmail.com</a></p>
الانتقال بالمواطن متسلم الزكاة إلى دافع لها هدف سام وتوجه جميل، ينطق به فكر كبير ورؤية ثاقبة لبناء الإنسان والاهتمام به وبمعاشه ومستقبله ومستقبل أبنائه وبناته ، خصوصاً ذلك الإنسان البسيط الذي يعمل من أجل البقاء وتربية الأبناء بقلب صاف مؤمن، يحب الخير له وللغير. هذه الرؤية جاءت من خلال حديث بسيط وواضح وجريء مع وزير الشؤون الاجتماعية عندما بدأت الوزارة بجهود أبنائها تبني فكرة الأسر المنتجة, التي تهدف من خلالها إلى تغيير مفهوم الشؤون الاجتماعية لأغلب الأسر المحتاجة إلى المساعدة المالية الشهرية أو السنوية, بحيث يتم الاهتمام بالأسر القادرة على العمل وتهيئة كل أسباب نجاح مثل هذا البرنامج الخيّر الذي يقوم على دراسة حالات آلاف الأسر في مختلف مناطق المملكة وربطهم بأنشطة ذات علاقة بمواقعهم من صيادين إلى مزارعين إلى حرفيين إلى أخرى من الأنشطة الصناعية التي تساعد على توفير فرص العمل والانتقال بالأسرة أو الفرد من متسلم زكاة إلى دافع لها.

إن فكرة تغيير قدرة وفكر المواطن البسيط والاهتمام به وجعله عنصراً عاملاً ومنتجا هو خير ما نقدمه لوطننا من جهد، هذا الجهد الذي لم يصحبه ضجيج الإعلام والشعر والكر والفر، فالرسالة عظيمة والهدف نبيل والخير مستمر من هذا الفكر الذي يقوم على جعل الواحد من هؤلاء البسطاء دافع زكاة, بمعنى أن ينقل من حالة الفقر والعوز إلى حالة الغنى والعفاف ومن مؤمن ضعيف إلى مؤمن عامل قوي.
الجميل في توجه عبد المحسن العكاس وزير الشؤون الاجتماعية ومجموعة الزملاء العاملين معه وعلى رأسهم وكيل الوزارة محمد العقلا , هو الوصول بخير التنمية وفكر التطوير والتغيير إلى المواطن نفسه في قريته أو مدينته الصغيرة وإعطائه الأدوات التي تساعده على تعلم العمل وتطويره بشكل سلس وبسيط ومن خلال برنامج تنموي طموح غير مكلف يميزه وضوح الهدف وسهولة التنفيذ وارتفاع جودة المنتج واستمراره وقلة التكاليف التي تقدم لدعم هذا المشروع.
لقد أثبت الكثير من التجارب العالمية أن المشاريع الصغيرة التي يقوم عليها الأفراد تحقق عوائد اقتصادية مباشرة وتضمن استمرارها, خصوصاً تلك المشاريع التي يتم إنشاؤها لصالح المجتمعات المحلية التي تعيش في المناطق أو المواقع النائية, التي اعتمد أهلها في السابق على العمل من خلال أنشطة بسيطة انقرضت مع التطور العلمي والمعرفي ونمو الاتصال والتواصل بين المجتمعات, مما أدى إلى بحث مثل هؤلاء السكان المحليين عن فرص عمل لا ترتبط بمواقعهم الجغرافية ولا تحقق لهم الاستقرار السكاني المنشود مما اضطرهم إلى هجر قراهم ومدنهم الصغيرة والمتوسطة إلى المدن الرئيسية بحثاً عن فرصة عمل ربما لا تحقق لهم احترام الذات أو استقرار العيش، بل ربما تؤدي بهم إلى المزيد من العوز والحاجة وتتسبب في نشوء بؤر فقر ضمن النسيج العمراني للمدن الكبيرة الغنية, وهو ما نشاهده اليوم في العديد من مدن العالم, وهو ما بدأ يظهر بشكل واضح في بعض مدننا الحديثة الكبيرة.
إن متطلبات التنمية والجهود المشتركة التي تعمل على معالجة مختلف قضاياها هو ما نحتاج إليه للمرحلة المقبلة, والتميز الذي ينطلق منه مشروع الأسر المنتجة هو قدرته على تحقيق التوجهات التنموية الوطنية التي تؤكد أهمية الحد من الهجرة العالية للسكان إلى المدن الرئيسية, وفي الوقت نفسه تفعيل البرامج التي تعمل على تحقيقه وإيجاد فرص العمل خارج الأجهزة الحكومية وبما ينسجم مع متطلبات المجتمعات المحلية وتضمن استمرار العمل ونموه من خلال تفعيل دور الأسر في ذلك وربما تضامنها المستقبلي، من خلال تحول مثل هذا العمل الفردي إلى عمل مؤسسي يشجع على إنشاء الشركات العاملة في مجال عمل الأسر, وبذلك تتحول تلك الأعمال البسيطة إلى مؤسسات اقتصادية عملاقة مع نمو الخبرة وتعلم الأبناء والأحفاد ودعمهم بجهود الآباء والأجداد في صناعات تعلموها صغاراً ورعوها كباراً.
إن الجهود مهما كانت بسيطة أو بدت للناظر أنها صغيرة لكنها تحمل في طياتها رؤية تنموية بعيدة المدى وبرنامجا زمنيا محدد المخرجات والمتطلبات، سوف تحقق بإذن الله تلك الجهود أهدافها وسوف تنعكس بشكل إيجابي على برامج التنمية وأهدافها وتحقق بناء فاعلاً ومميزا للإنسان بما يضمن تكامله مع المكان الذي يعيش فيه ويعمل فيه ويبني من أجله.
لقد أثبت بعض التجارب أيضاً أن استخدام القوة في إيجاد فرص العمل والفرض الإجباري للتوظيف والدفع بالشباب على فرص عمل لا تتفق مع متطلباتهم ولا تنسجم مع عاداتهم وتقاليدهم ومتطلبات مجتمعهم أنها فرص عمل وهمية تنجح مرة وتفشل مراراً ويهرب منها الطرفان, صاحب العمل وطالبه, في أول فرصة هروب لعمل آخر، كما أنها لم تستطع في الغالب بناء الخبرة ودوام العمل وتطويره.
لقد أحسنت وزارة الشؤون الاجتماعية بتبني العديد من البرامج الاجتماعية التي تتعامل مع المواطن البسيط والوصول إليه ودعمه واحترام آدميته وتقدير ظروفه, ولعل برنامج الأسر المنتجة أحد تلك البرامج التي تحقق ذلك. ولعلي أختم بتأكيد أهمية هذا المشروع الإنساني الاقتصادي الوطني العظيم, وأؤكد لأحبتي في الوزارة أن البدء في أي برنامج مهما كان صعبا فهو سهل ولكن الصعوبة الحقيقية في استمراره وتحقيق أهدافه وانتشاره في مختلف مناطق المملكة واستمرار دعمه وتطوير برامجه ومناهجه وأهدافه، وفقكم الله لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل

" في العمل صنفان من الناس يحدثونك بأنك لا تستطيع إحداث تغيير في العمل: الخائفون من إحداث التغيير وأولئك الذين لا يرغبون لك النجاح", وفي عالمنا اليوم هم أولئك المندسون خلف الرسائل المجهولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي