السوق المالية.. أداة لتوزيع الثروة

تعد السوق المالية، وسوق الأسهم تحديداً، من أهم الأدوات ذات الأثر المباشر في توزيع الثروة وخاصة في فترات النمو المدعوم بزيادة الإنفاق الاستثماري للحكومة وهو ما نشهده في السعودية، حيث بلغ متوسط النمو في الإنفاق الحكومي 11 في المائة تقريباً للسنوات الخمس الماضية والمرجح استمراره على المديين القصير والمتوسط بمشيئة الله.
هذا الإنفاق المتزايد والمشاريع العملاقة التي تم الإعلان عنها تستأثر بحصة الأسد من عائداتها كيانات اقتصادية محدودة هي في الغالب مؤسسات فردية أو شركات غير مدرجة في السوق المالية ناهيك عن العمالة غير النظامية والتي حصلت على نصيب من هذه ''الكعكة'' بشكل غير شرعي وغير قانوني بمباركة من منشآت توصف بـ ''السعودية'' أو ''الوطنية'' وبالتالي لم تتح أو بالأصح قُلصت الفرصة للمواطن العادي للانتفاع من هذه العائدات والتي أقل ما توصف به بـ''الضخمة''.
لعل القارئ الكريم يتفق معي على أن مظلة السوق المالية هي المكان الأكثر أماناً لتشكيل تحالفات ''المستثمرين الصغار'' لتكوين كيانات اقتصادية بحجم ملائم للقدرة على المنافسة مالياً وإداريا وتشغيلياً للحصول على نصيب ولو يسير من مشاريع الدولة بشكل خاص ولكن هذه الرؤية تعوقها البيئة التشريعية ممثلة في نظام السوق المالية وقواعد إدراج الشركات، إضافة إلى نظام الشركات التي أسهمت بشكل مباشر في محدودية عمليات الطرح والإدراج لشركات ناشئة (جديدة)، وذلك من منطلق الحرص على مصلحة المستثمر العادي وتقليل مخاطر الاستثمار التي من الممكن أن يتعرض لها من خلال الاكتتاب في شركات ناشئة. وهذا الطرح، في رأيي، يجب إعادة دراسته بشكل أكثر دقة وشمولية حتى لا نحجب فرصا استثمارية واعدة قد تتيحها موازنة الدولة للمستثمرين الصغار، بسبب عدم توافر آليات أو قواعد خاصة منظمة لعمليات طرح شركات ناشئة باستثناء بعض الشركات التي حصلت على امتياز معين.
إلى ذلك الحين وعندما يتسنى للجهات ذات العلاقة إعادة النظر في هذا الموضوع بشكل كامل تُغلَّب فيه مصلحة المواطن البسيط وتوسع فيه دائرة طرح الشركات الناشئة، فالدور المأمول يقع على عاتق الجهات الحكومية المصرح لها بالاستثمار المباشر وكذلك الذراع الاستثمارية للدولة بأن يبادروا بإنشاء شركات وطنية عملاقة وخاصة في مجال خدمات البناء والتشييد والتجزئة والتعليم والصحة والتطوير العقاري وطرحها، بالقيمة الاسمية، للمواطنين في السوق المالية وفق قواعد خاصة محددة للاستثمار والنسب القصوى للتملك ومنحها بعض الامتيازات لضمان عائد استثماري ملائم ومستدام للمواطن العادي.
ليس الهدف من هذا الطرح تدخل الحكومة بشكل مباشر في الاقتصاد والإخلال بالتوازن الشكلي الموجود بقدر ما هو بهدف توفير مظلة قانونية ومنصة آمنة للمستثمرين العاديين في تكوين تحالفات اقتصادية بشكل نظامي لتحسين وتنويع مصادر دخولهم والمساهمة في تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الشاملة للوطن وترسيخ قواعد التنافسية العادلة. إن هذه الشركات الـ ''وطنية'' إذا ما رأت النور فلن تسهم فحسب في توزيع أكثر عدالة للثروة وتحقيق مصالح مشتركة بين الحكومة والمستثمر ''المواطن'' بل سيمتد أثرها لمعالجة قضاياً أخرى مثل البطالة، خروج الأموال، التضخم والإسكان وسنتحدث في مقال آخر عن إمكانية المساهمة بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في حل إشكالية توافر المسكن الملائم بتكلفة ''مقدور عليها'' من خلال السوق المالية أيضاً.

متخصص مالي وإداري

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي