مع التحية لوزارة الاقتصاد والتخطيط: اقتصاد معرفي من دون مؤشرات
كنت أتجول في أروقة ''وزارة الاقتصاد والتخطيط''، وأتنقل في موقعها الإلكتروني، من رابط إلى رابط. مررت في طريقي على ''مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات''. كنت أتصفح الموضوعات باحثة عن شيء ما، توغلت في التصفح علّي أبحث عن ضالتي، لم أفتأ وأنا أسبر الأغوار ''الإلكترونية''، لكنني لم أعثر على مبتغاي..
الحق يقال إن موقع الوزارة والمصلحة يزخران بالمعلومات والإحصاءات المختلفة ،إلا أن ذلك لم يكف للإجابة عن هواجس البحث ، أو الاهتداء إلى الضالة المنشودة: مؤشرات الاقتصاد المعرفي.
ففي خضم هذا الحراك المبارك نحو الاقتصاد المعرفي، في غمرة كل هذه المبادرات والفعاليات والطروحات والكتابات، كيف يمكن للسعوديين قياس أي تقدم يحرزونه تجاه تحقيق اقتصاد يعتمد على ''المعرفة'' أكثر منه على ''النفط''؟
بالتأكيد، لن يقاس مقدار التقدم بعدد مستخدمي أجهزة ''بلاك بيري'' الذي لم تسلم منه حتى أيدي الصغار، أو عدد متصفحي المواقع الإلكترونية ذات المضمون التافه. إنما يقاس الاقتصاد المعرفي بمؤشرات لا تقل أهمية عن المؤشرات الحيوية التي يجس بها الأطباء صحة الإنسان وعافيته.
لقد أكدت ''وزارة الاقتصاد والتخطيط'' من خلال خطة التنمية التاسعة (1432-1436هـ/ 2010- 2014م) على ضرورة التأسيس لاقتصاد معرفي ، وهي الخطة الأولى حسب علمي التي تتطرق إلى ذلك الاقتصاد من بين الخطط السابقة. فقد ارتكزت خطة التنمية التاسعة على خمسة محاور رئيسية هي:
1.تعزيز وتكثيف جهود تحسين مستوى معيشة المواطن والارتقاء بنوعية حياته.
2.تنمية القوى البشرية الوطنية وزيادة توظيفها والاعتناء بـ''عمالة المعرفة''.
3.التنمية المتوازنة بين المناطق.
4.التطوير الهيكلي للاقتصاد السعودي وإرساء دعائم الاقتصاد المعرفي.
5.رفع القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني والمنتجات الوطنية.
ونلاحظ أن المحورين الثاني والرابع للخطة يركزان على تأسيس دعائم الاقتصاد المعرفي، وتهيئة الظروف الملائمة له.
إن الاقتصاد المعرفي يقاس بطرق متعددة، إذ لا توجد طريقة معتمدة دوليا لقياسه. غير أن أفضل مقاييس ذلك الاقتصاد، هي تلك المنهجية التي وضعها برنامج ''المعرفة من أجل التنمية'' التابع لـ''البنك الدولي'' ، وأسماها : ''طريقة تقييم المعرفة'' (Knowledge Assessment Methodology) ، وتختصر بـ (KAM)، حيث يتم عن طريقها التعرف على التحديات والفرص التي تواجه الدول التي تعتزم انتهاج الاقتصاد المعرفي، بحيث تتمكن كل دولة من تسخير سياساتها ومبادراتها واستثماراتها بما يخدم ذلك الاقتصاد.
وتقوم ''طريقة تقييم المعرفة'' على قياس أربعة محاور، كالتالي:
•قدرة النظام السياسي والاقتصادي: يجب عليهما أن يحفزا على حسن استغلال المعرفة الحالية، وتوليد معرفة جديدة، وترسيخ أسس ريادة الأعمال، وتشجيع رواد الأعمال من الشباب والفتيات.
•التعليم وتطوير المهارات: التعليم هو نبع المعرفة ومصدرها, فمن خلاله يكتسب أفراد المجتمع معارفهم ومهاراتهم.
•بنية الاتصالات وتقنية المعلومات: هي شبكة من ''الخدمات التواصلية'' التي تسهل الترابط بين أفراد المجتمع وتعينهم على تداول المعرفة وتوزيعها.
•بنية الابتكار والإبداع: هي الشركات والجامعات والمعاهد والمختبرات وبيوت الخبرة التي يعمل فيها المبدعون وينتجون أفكارا ومعرفة جديدة.
ولكل محور من هذه المحاور مجموعة من المؤشرات تقيس درجات تقدم الدولة نحو الاقتصاد المعرفي.
أما نحن ، فلدينا مؤشرات أسهم، خطفت الأبصار والأفئدة ذات يوم، ولدينا مؤشرات لأسعار السلع الاستهلاكية. لكن ليس لدينا مؤشرات لما تنتجه العقول تسترشد بها قافلة ''المعرفة''.
من حسن الحظ، أننا ما زلنا في بداية السنة الأولى من سنوات خطة التنمية التاسعة ، ولسنا متأخرين عن الركب, إذ يمكن للوزارة أن تتدارك وتتبنى ''طريقة تقييم المعرفة'' التي وضعها البنك الدولي، ولا سيما أن وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور خالد القصيبي كان في يوم من الأيام يعمل ويمثل المملكة في اجتماعات البنك الدولي (البنك الدولي للإنشاء والتعمير أحد المؤسستين اللتين تؤلفان البنك الدولي، وهما بجانب ثلاث مؤسسات أخرى تؤلف كيانا أكبر هو ''مجموعة البنك الدولي'').
على الوزارة أن تأخذ على عاتقها وضع ''مؤشرات معرفية'' ، وأن تنشرها على موقعها الإلكتروني، وتعرضها على شاشات منصوبة خارج مقارها. يجب أن يعلم أفراد المجتمع مستوى تحقيقنا لمتطلبات الاقتصاد المعرفي، لأن هذا يدفعهم للتنافس والإسهام في رفع مستوى إنتاجنا للمعرفة وتداولنا لها.
خاطرة أخيرة
القافلة لا يمكن أن تسير دون أن تسترشد بخريطة السماء (.. وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون) - الآية (16) من سورة النحل.
جامعة الملك سعود – كلية إدارة الأعمال