مصر من الثورة إلى الحرب الأهلية
ثار المصريون بعد عقود من المطالبات ولكن اعتزاز الحزب الوطني بتزوير الانتخابات وتدهور الأوضاع المعيشية وعدم اكتراث الحكومة والإعداد لوراثة الحكم في نظام جمهوري وتفاقم آثار العلاقات مع إسرائيل جعلت الثورة على هذه الأوضاع متوقعة. وكان من الواضح أن الحكومة عاجزة عن الوفاء بالحد الأدنى للمواطنين.
كان الشباب هذه المرة هم من فاجأ الجميع بالثورة فساروا في مظاهرات حاشدة انضم إليها الجميع بعد ذلك تطالب بالكثير، ولكن المعالجة الأمنية المستمرة لازمت السلطة أيضا هذه المرة فاشتبك الأمن مع المتظاهرين المسالمين المتحضرين وأحدث مجزرة بين الشباب غير المسلح إلا بالإيمان بحقه في الاحتجاج السلمي والبعد عن التخريب بل وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وقد سقط المئات من الشهداء وآلاف الجرحى بسبب استخدام الرصاص الحي فلما صمد المحتجون نزل الجيش وانسحبت الشرطة بشكل مريب وفتحت السجون وشاركت الشرطة السرية في أعمال السلب والنهب على النحو الذي يغطيه الإعلام بالتفصيل.
المحتجون صعدوا مطالبهم بعد مذبحة الأمن خاصة أن الحركة عمت مصر كلها ولكن النظام في مصر ليس راغبا ولا مستعدا للتغيير أو ترك السلطة، وكان كل همه أن يخمد المظاهرات السلمية بالقوة والخديعة والإعلام وغيرها من الوسائل لأن استمرار الاحتجاج مع إحراق رموز السلطة والحزب الوطني وما يمثله عند المصريين ولد ضغوطا دولية هائلة على النظام وأصرت جميع الدول على احترام خيار الشعب وحقه في التظاهر السلمي.
تثير هذه الثورة الكثير من القضايا والدروس الحاسمة التي ستتم معالجتها في مناسبات أخرى أخطرها أن كراهية الشعب المصري لإسرائيل وصداقة النظام معها على حساب مصالح استراتيجية ومادية واضحة للشعب والوطن أثارت القلق البالغ لدى إسرائيل، كما تثير البحث في آثار التغيير على الميزان الاستراتيجي العالمي فكيف تحولت الثورة إلى حافة الحرب الأهلية؟
لقد نجح الرئيس مبارك الذي يتعرض لضغوط هائلة في الداخل والخارج بشكل مفاجئ في أن يحول الثورة الوطنية الكاملة إلى حواف الحرب الأهلية عندما ألقى خطابا مساء يوم الثلاثاء وكان واضحا أن هدف الخطاب ليس العزم على الإصلاح وإنما تحويل الثورة إلى انقسام المجتمع وبالفعل أشاع الخطاب البلبلة الكاملة في صفوف المتظاهرين المحتشدين بالملايين في ميدان التحرير. أسهم في الانشقاق أمران هما المعارضة الرسمية الضعيفة والانتهازية، وكذلك الزج بآلاف من المأجورين من الحزب الحاكم في مظاهرات حاشدة. فسر البعض خطاب الرئيس بأنه لبى الطلبات ويجب أن تترك له الفرصة وهذا الموقف اقتنع به كثيرون خاصة بين الشعب الذي رأى أن الثورة حققت أهدافها بإجبار النظام على المطالب. غير أن يوم الأربعاء الأسود الثاني من شباط (فبراير) قد غير الموقف تماما، حيث عمدت السلطة إلى اقتحام ميدان التحرير بالبلطجية والشرطة السرية والهجوم على المحتجين العزل مع تراخي الجيش وحياده في مجزرة سقط فيها مئات الجرحى والشهداء وهي جريمة رتبت رسميا ويجب المحاكمة عليها ولا شك أن النظام يتحمل المسؤولية الأخلاقية لتصفية الحساب مع المحتجين. لم يعد هدف النظام في مصر استعادة شرعيته وإنما الانتقام وإخلاء ميدان التحرير ويتمنى أن يتحول الناس من الثورة عليه إلى إراقة دماء بعضهم بعضا. مجزرة الأربعاء الدامي نقطة فاصلة استمطرت المزيد من الضغوط على الرئيس لدرجة أن الرئيس أوباما أكد له أن المطلوب هو التغيير الآن ويقصد تغيير الرئيس. لا أظن أن الثورة ستتحول إلى حرب أهلية وإن ما تحقق لن يعود سيرته الأولى قبل يوم 25 كانون الثاني (يناير).