منح ليو تشياوبو جائزة نوبل .. فوضى من صُنع الصين؟
على الرغم من جهودها التي أنفقت فيها الكثير من المال لتعزيز قوتها الناعمة، مثل معرض شنغهاي وخطط فتح مكتب لوكالة أنباء شينخوا في ناطحة سحاب في تايمز سكوير في نيويورك، إلا أن صورة الصين تعرضت للضرر في الأشهر الأخيرة، وذلك بسبب لهجتها الصارمة مع الولايات المتحدة واليابان، ودفاعها عن كوريا الشمالية، والآن، هجماتها على لجنة نوبل النرويجية لأنها كرّمت المنشق المسجون ليو تشياوبو.
حتى تصريحات وين جيابو رئيس الوزراء لدعم الديمقراطية وحرية التعبير، التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، أثرت سلبا في صورة الدولة, حيث أصبح من المعروف أن كلمات رئيس الوزراء أيضا خاضعة للرقابة داخل الصين.
وفي الوقت نفسه، زادت الضغوط على الحكومة الصينية من داخل الدولة ومن الخارج على حد سواء.
تم تقديم رسالة مفتوحة موقعة من قبل 23 من كبار أعضاء الحزب الشيوعي إلى مؤتمر الشعب الوطني، البرلمان الصيني، التي دعوا فيها إلى إنهاء القيود المفروضة على حرية التعبير.
ودعا الموقعون، بمن فيهم لي روي، السكرتير السابق للرئيس ماو زيدونج وهيو جيوي، رئيس التحرير السابق لصحيفة People's Daily، إلى إلغاء الرقابة وناشدوا الحكومة بتعزيز الحقوق التي يفترض أن الدستور يضمنها.
وفي فقرتها الافتتاحية، تذكر الرسالة أن الدستور الصيني يضم حرية التعبير، والصحافة، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والمسيرات والتظاهرات، لكن الحكومة، من خلال سن تشريعات ''لتطبيق'' مثل هذه الحريات، حرمت على نحو فاعل المواطنين هذه الحقوق.
وجاء في الرسالة: ''أصبحت هذه الديمقراطية الزائفة التي تتسم بالاعتراف الرسمي والإنكار الملموس علامة فاضحة في تاريخ الديمقراطية العالمية''.
وتشير الرسالة إلى أنه من الناحية النظرية، فإن الناس هم سادة البلاد. لكن بعد 61 عاما من كونهم ''سادة''، لا يزال مواطنو جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية تعبير وصحافة أقل مما كان يتمتع بها شعب هونج كونج حين كانوا ''سكان المستعمرة''.
وفي حين تمت صياغة الرسالة قبل أن ينال ليو تشياوبو جائزة نوبل للسلام، تم نشر رسالة أخرى، موقعة هذه المرة من أكثر من 100 شخص، العديد منهم علماء ومحامون وكتّاب، في نهاية الأسبوع الماضي.
ووصفت الرسالة ليو تشياوبر ''خيارا رائعا'' وناشدت الحكومة الإفراج عنه وكذلك عن ''جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي الذين تم احتجازهم لأسباب مثل خطاباتهم وآرائهم السياسية أو معتقداتهم الدينية''.
وفي هذه الأثناء، أصدر أربعة خبراء في حقوق الإنسان من الأمم المتحدة أيضا رسالة تدعو الصين إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم.
ومع هذه الأصوات المحلية والخارجية التي تدعو إلى الحصول على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، قد تشعر الحكومة الصينية بأنها محاصرة, لكن ليس هناك توقعات تذكر لأي شيء باستثناء رفض هذه الدعوات.
فقد كشف لي روي مثلا أنه لا يمكن نشر كتاباته، بل حتى لا يمكن إعادة طباعة مقالاته القديمة التي كتبت قبل عقود.
وفي حين أن رئيس الوزراء وين هو العضو الأبرز في مجموعة الإصلاح داخل الحزب، إلا أنه من الواضح أن هذه المجموعة أقل قوة من الجناح المحافظ للحزب، الذي يشدد على الأمن الداخلي والسيطرة الشديدة على الإعلام.
ويتم التركيز كثيرا على الحد من الاضطرابات الاجتماعية للحفاظ على الاستقرار السياسي إلى درجة أن الحكومة تنفق على هذه الغاية بقدر ما تنفقه على الدفاع تقريبا.
إلا أن سان ليبينج، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تسينجهوا المعروفة عالميا، كتب أخيرا أن أخطر تهديد يواجه الصين ليس الاضطرابات الاجتماعية, بل الانحلال الاجتماعي، مع خروج سلطة الحكومة عن السيطرة وانعدام الأخلاق في المجتمع.
وفي حين أنه كان هناك توقع عام أن يحد اقتصاد السوق من سلطة الحكومة، كما قال، إلا أن الثروة والسلطة في الصين اتحدتا في زواج آثم.
وكتب هذا العالِم، الذي من بين تلاميذه السابقين نائب الرئيس شي جين بينج: ''لقد بالغنا في مشكلة عدم الاستقرار الاجتماعي في السنوات العشر الماضية أو نحو ذلك، وشكلنا عقلية تقدّر الاستقرار أكثر من أي شيء آخر''.
وحذّر قائلا: ''سيثبت التاريخ أن الاستقرار لن يتغلب على كل شيء آخر. ففي واقع الأمر، أصبح ''الحفاظ على الاستقرار أداة لحماية هيكل المصالح الخاصة''.
''ولحماية المصالح الخاصة''، كان على الحكومة ''قمع حرية التعبير،'' وتجنب الديمقراطية وقمع الرأي العام، ما يؤدي بدوره إلى الحوادث الكبيرة. وهكذا، للحفاظ على الاستقرار، تتخذ الحكومة إجراءات تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي.
وفي وقت تحاول فيه الحكومة الصينية تشويه صورة ليو تشياوبو ولجنة نوبل، قد يكون من الحكمة بالنسبة لها أن تتذكر هذه الكلمات دائما.
خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinion Asia