Author

إعانة البطالة وواقع سوق العمل السعودية

|
يعد الارتفاع الكبير في معدل البطالة وخلق فرص عمل جديدة في سوق العمل من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصادي السعودي في الفترة الحالية والمستقبلية، خصوصا مع اتساع الفجوة بين عدد طالبي العمل (أعداد الخريجين) وحجم الطلب على العمل في سوق العمل السعودية؛ لذا فقد استحوذ موضوع البطالة بشكل رئيس على اهتمام المسؤولين والباحثين على حدٍ سواء. يحتدم النقاش هذه الفترة حول فكرة تقديم إعانة البطالة للمواطنين السعوديين العاطلين عن العمل. هذه الفكرة تم عرضها على مجلس الشورى للنقاش، والتي أحيلت إلى لجنة الأنظمة والإدارة التابعة للمجلس لدراستها. فالفريق المؤيد لهذه الفكرة يرى أن هذه الإعانة ستقلل من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبطالة، وذلك عن طريق إعانة الفرد العاطل عن العمل على سد حاجاته الضرورية والأساسية. وفي المقابل يرى الطرف الآخر أن قيام الدولة بتقديم هذا النوع من الإعانات سيزيد معدل البطالة؛ لما قد تسببه من تقاعس العاطلين عن البحث الجدّي للعمل. هناك أسئلة كثيرة تدور حول هذه الفكرة. ما الغاية من الإعانة؟ وما المبلغ الأمثل لها؟ لمن ستعطى؟ ما الضوابط والإجراءات؟ وغيرها من الأسئلة الجوهرية. في الحقيقة، لا يحاول هذا المقال أن يقدم إجابة لأي من هذه الأسئلة، بل يحاول مناقشة مدى جدوى برنامج إعانة العاطلين في ظل الارتفاع الهائل لمعدل البطالة بين المواطنين السعوديين، الذي وصل إلى 10.5 في المائة بحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة العمل والعمال. في الوقت الذي بلغ عدد العمالة الوافدة في القطاع الخاص نحو 6.89 مليون فرد حسب إحصاءات 2009. قبل الشروع في تأييد أي من الطرفين، يجب علينا أولا أن ندرس أساس المشكلة من الجانب النظري، ثم نحاول أن نطبق النظرية الاقتصادية على واقع سوق العمل السعودية. تعريف البطالة وأنواعها تُعرّف منظمة العمل الدولية International Labour Organization البطالة بـ ''عدم مقدرة الفرد القادر على العمل في الحصول على عمل عند مستوى الأجر السائد في سوق العمل، على الرغم من البحث المستمر له''. وعليه فليس كل من لا يعمل يعتبر عاطلا، لكن لكي يكون الفرد عاطلا عن العمل يجب أولا أن يكون قادرا على العمل، وثانيا يجب أن يبحث وبشكل جدّي عن فرصة عمل تناسب مهاراته وقدراته. ويقاس معدل البطالة في الاقتصاد بنسبة عدد الأفراد العاطلين عن العمل إلى إجمالي القوى العاملة في الاقتصاد. وقد تتخذ البطالة أشكالا مختلفة باختلاف الأسباب وراء عدم مقدرة الأفراد العاطلين على الحصول على عمل مناسب لهم. ومن أهم هذه الأشكال: 1-البطالة الاحتكاكية: الناتجة عن تنقل الأفراد بين القطاعات الاقتصادية أو بين المناطق المختلفة. فعلى سبيل المثال، انتقال الأفراد من الأرياف إلى المدن قد يسبب ارتفاعا لمعدل البطالة في المدن نتيجة لزيادة عرض العمل في تلك المناطق. 2- البطالة الهيكلية: التي تنتج بسبب التباين والاختلاف بين المهارات والقدرات الإنتاجية المطلوبة في سوق العمل ومؤهلات وخبرات الأفراد العاطلين عن العمل الناتجة من التغيرات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، أو عدم ملاءمة مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. فعلى سبيل المثال، إحلال العمالة اليدوية بالتكنولوجيا يصنف ضمن هذا النوع من البطالة. 3- البطالة الموسمية: التي تحدث عادة في القطاعات الموسمية مثل القطاع الزراعي والقطاع السياحي. 4- البطالة الدورية: الناتجة من دورة الأعمال Business Cycle المرتبطة بالنشاط الاقتصادي. ففي حالة الركود الاقتصادي يقل الطلب على العمل من قبل المنشآت نتيجة لانخفاض الطلب على السلع والخدمات والعكس يحدث في حالة الازدهار الاقتصادي. سوق العمل يعتبر قانون العرض والطلب من أهم أدوات التحليل في النظرية الاقتصادية الجزئية ومن ثم سنعتمد عليه في تحليلينا هنا. يمكن تعريف الطلب بأنه عبارة عن الكميات التي يقوم الأفراد بشرائها من السلع والخدمات مع اختلاف الأسعار خلال فترة زمنية معينة. فكلما ارتفع السعر، انخفضت هذه الكميات (وجود علاقة عكسية بين الكمية المطلوبة للشراء وبين سعر السلع والخدمات)، بينما يمكن تعريف العرض بأنه عبارة عن الكميات من السلع والخدمات التي يقوم الأفراد بعرضها في السوق مع اختلاف الأسعار خلال فترة زمنية معينة. فكلما ارتفع سعر السلعة، قام المنتجون بإنتاج هذه السلعة (وجود علاقة طردية بين الكمية المعروضة من السلع والخدمات وبين أسعارها). وبما أن سوق العمل ـــ مثل أي سوق آخر ـــ تقوم المنشآت بالطلب على عنصر العمل، الذي يعتمد بصورة عكسية على الأجر الحقيقي. فإذا زاد الأجر الحقيقي انخفض الطلب على العمل والعكس صحيح (قانون الطلب). وفي المقابل يقوم الأفراد بعرض العمل، الذي يعتمد بدوره على الأجر الحقيقي المتوقع بصورة إيجابية وتوقعات الأسعار المستقبلية. فإذا ارتفع الأجر الحقيقي المتوقع من العمل، شكَّل ذلك دافعا قويا لدى الأفراد لزيادة العرض من العمل (قانون العرض). ويتوازن سوق العمل بتساوي قوى الطلب على العمل والعرض منه. وعند النقطة التوازنية هذه تتحدد كمية العمل إضافة إلى مستوى الأجر الحقيقي. واقع سوق العمل السعودي يرى البعض أن السبب الرئيس وراء ارتفاع معدل البطالة هو الاختلال الجوهري والهيكلي في سوق العمل؛ وذلك لعدم ملاءمة مخرجات قطاع التعليم والتدريب ومتطلبات السوق، إضافة إلى عدم التناسب بين تطلعات الأفراد العاطلين عن العمل والوضع السائد في سوق العمل، خاصة فيما يتعلق بنوعية العمل والأجر السائد فيه. وبالتالي فإن ما نعانيه هو البطالة الهيكلية التي أشرنا إليها. وعلى الرغم من أن هذا الرأي يلامس جزءا من الحقيقة، إلا أنه لا يعكس الصورة الكاملة للمشكلة. عند النظر إلى إحصاءات العمالة الوافدة الصادرة عن وزارة العمل والعمال نجد أن ما نسبته 77 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة العاملة في القطاع الخاص هم ممن لا يحملون مؤهلات علمية (أمي، أو يقرأ ويكتب). كما أن ما نسبته 14 في المائة من إجمالي القوى العمالة الوافدة هم ممن يحملون الثانوية فأعلى. هذا من جانب، ومن جانب آخر، بلغت نسبة العاملة الوافدة إلى مجموع القوى العاملة في القطاع الخاص نحو 90 في المائة (88.8 في المائة ذكور و1.3 في المائة إناث).وعليه يمكن القول إن نحو 77 في المائة من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص هي غير ماهرة. إذن فما هو أساس المشكلة؟ إن الافتراض الأساسي في النظرية الاقتصادية الجزئية هو أن المنشأة تسعى لتحقيق أقصى أرباح، وهذا يعني أنها تفضل الربح الكثير على الربح القليل. والنتيجة فإن المنشأة تختار توليفة عناصر الإنتاج التي تحقق لها أقصى إنتاج ممكن في ظل التكاليف المعطاة أو تحقق لها أقل التكاليف لمقدار معين من الإنتاج. لنفترض أن دالة الإنتاج للمنشأة تتكون من عنصري العمل ورأس المال، وتكلفة عنصر العمل هي الأجر، وتكلفة رأس المال هو سعر الاقتراض (الفائدة). وبالتالي لتحقيق أقصى إنتاج ممكن فإن المنشأة ستقوم بتوليف هذه العناصر بالنسب التي تناسبها والتي تعتمد على أسعار هذه العناصر. وعليه يمكن القول إن المنشأة تستطيع أن تُخفض تكاليف الإنتاج عن طريق تخفيض سعر عنصر العمل (الأجر). إذاً نحن هنا أمام مشكلة متناقضة الطرفين. فالأول (الفرد العامل) يبحث عن أجر مُرضٍ بدوام مناسب. والثاني (المنشأة) تبحث عن تقليل تكاليف الإنتاج. لقد ذكرنا أن التوازن في سوق العمل يحدث بتساوي قوى العرض والطلب، وعند النقطة هذه تتحدد كمية العمل المطلوبة، إضافة إلى مستوى الأجر الحقيقي الذي يرضي الطرفين. لكن في سوق العمل السعودية لا تتحدد هذه النقطة نتيجة لوجود عنصر خارجي (العامل الوافد) الذي يؤثر سلبا على الأجر الحقيقي التوازني. هذا أساس المشكلة! يمكن القول إن السبب الرئيس وراء الارتفاع الهائل في معدل البطالة يرجع إلى تفضيل العمالة الوافدة على العمالة الوطنية نتيجة لغياب بعض القوانين والتشريعات الضرورية. ومن أهم هذه التشريعات هي الحد الأدنى لمستوى الأجور وتحديد ساعات العمل في سوق العمل. فمن جهة يعتبر مستوى الأجور السائد في سوق العمل منخفضا جدا، حيث إنه لا يفي بالحاجات الأساسية والضرورية للفرد السعودي، إضافة إلى طول ساعات العمل. ومن ثم فإن العامل السعودي لا يستطيع منافسة العامل الوافد الذي يقبل عادة بأجر منخفض مع ساعات عمل قد تصل إلى أكثر من عشر ساعات يوميا، خصوصا في المنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم. عودٌ على بدء إن خيار طرح إعانة البطالة أمر ضروري ومهم؛ وذلك لسببين: أولا: لتقليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية للبطالة. ثانيا والمهم: هذه الإعانة ستمكّن من الحصول على إحصاءات دقيقة لعدد العاطلين في المجتمع. فمما لا شك فيه أن اتخاذ القرارات الصحيحة يعتمد بشكل رئيس على صحة البيانات المعتمد عليها في تقييم الوضع. ولكن السؤال المهم في هذا الموضوع هو: ما الوقت المناسب لتقديم هذا البرنامج؟ فمن المعلوم أن اختيار الوقت المناسب يلعب دورا مهما في نجاح أو فشل أي برنامج؛ لذا بدلا من مناقشة الأسئلة التي أوردناها في مقدمة المقال، يجب أولا مناقشة موضوع متى يمكن أن نستطيع تطبيق هذا البرنامج. وفي نظري أن الوقت الأمثل لتطبيق هذا البرنامج هو عندما يكون معدل البطالة في المجتمع عند مستواه الطبيعي الناتج عن تقلبات دورة الأعمال أو ما يسمى بالبطالة الدورية. وبالتالي يجب أولا إيجاد الحلول الناجعة لخفض مستوى البطالة في المجتمع ليكون عند المستوى الطبيعي له، ومن ثم مناقشة موضوع الإعانة؛ وذلك نظرا إلى أن الإعانة يجب أن تكون مؤقتة لحين حصول الفرد على عمل. لكن إذا كانت البطالة تتخذ الشكل الهيكلي، فإن الفرد العاطل عن العمل وبسبب عدم ملاءمة مؤهلاته العلمية ومهاراته الفنية ومتطلبات السوق سيكون عاطلا عن العمل لفترة طويلة ربما تمتد إلى سنوات. ربما يفترض المؤيدون أن الإعانة ستولد ضغوطا جوهرية على مستوى الأجور الحالية في القطاع الخاص، وذلك لسببين: (1) أن المنشآت العاملة في القطاع الخاص ملزمة بتحقيق نسبة معينة من السعودة (هذه النسبة قد تصل إلى 30 في المائة في بعض القطاعات). (2) إذا كانت الإعانة مرتفعة نوعا ما، فإنها ستدفع أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور من أجل توظيف السعوديين، خصوصا عندما تؤدي الإعانة إلى ارتفاع نسبة البطالة في الأجل القصير. بمعنى أن المنشآت الخاصة ستكون بين خيارين. إما رفع مستوى الأجور للسعوديين ليكون أعلى من إعانة البطالة؛ وذلك لتحفيز العاطلين على العمل (قانون العرض). أو أنها ستعجز عن الوصول إلى النسبة القانونية للسعودة. خلاصة القول، أن ما ينقص سوق العمل السعودية هو ـــ كما أشرنا ـــ بعض القوانين والتشريعات الضرورية وذلك لجعل العامل السعودي منافسا قويا للعامل الأجنبي للتغلب على ظاهرة البطالة. ودون هذه التشريعات، فإن أي محاولة للقضاء على البطالة ستكون فاشلة. اقتصادي
إنشرها