ثالثا: الكينونة
<p><a href="mailto:[email protected]">alahmed@naseej.com</a></p>
أستاذ الطيران المساعد ـ كلية الملك فيصل الجوية
تعتبر الخطوط السعودية صفحة مشرقة من صفحات كتاب توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز، يرحمه الله، فنواة الخطوط السعودية كانت الطائرة الملكية الداكوتا التي كانت التأريخ الأول لصناعة النقل الجوي في منتصف أربعينيات القرن الماضي. وكان المؤسس، يرحمه الله، حريصا رحوما بشعبه، حيث طلب شراء ثلاث طائرات من نفس النوع لخدمة المواطنين بعد أن تعرف على مزاياها. ويعود ظهور الطائرات في سماء جزيرة العرب إلى الفترة التي شهدت فيها المنطقة العربية النزاعات المسلحة للحرب العالمية الأولى وانتقال الصراع إلى الحاميات التركية والإنجليزية في أرجاء الوطن العربي. وكان الاستخدام العسكري قد سبق الاستخدام المدني للطائرات منذ نجاح الأخوين (رايت) في التحليق بطائرة ذات محرك، حيث كان الظهور الأول للطائرات في العالم العربي هو بداية تأريخ القوة الجوية في العالم عام 1911م حين أرخت أول عملية قصف جوي قام بها الإيطاليون على معسكر للجيش التركي في منطقة (عين زارة) الليبية. ولهذا فلقد ارتبط الطيران بالدفاع إلى أن بدأ تنامي الاستخدام المدني للطائرات التي اختصرت الزمن وقربت القارات وجلبت التآخي للشعوب، لتنظم بعدها الطائرة كوسيلة مواصلات للقاطرات والسفن والعربات الأرضية. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وولادة عالم جديد تم الاتفاق على معاهدة شيكاجو في نهاية عام 1944م والتي شرعت الأطر العامة للنقل الجوي بين وعبر وداخل الدول. وظلت المملكة العربية السعودية لسنوات طويلة الأكبر والأهم في المكانة القارية لصناعة النقل الجوي العالمي حيث كانت تنعم بمزايا عديدة منها حجم الأسطول، مواسم الحج والعمرة، تعدد المطارات الإقليمية، والموقع الاستراتيجي الذي جعل من مطار الظهران الدولي ـ في حقبة من الزمن ـ نقطة الوصل العالمية للخطوط الجوية العالية بين القارات. وفي منتصف السبعينيات الميلادية وبعد أزمة الوقود الخانقة، اضطرت الحكومة الأمريكية ممثلة بوزارة المواصلات ووزارة التجارة إلى رفع التشريعات المقيدة لشركات الخطوط فحصلت ثورة نوعية وكمية في صناعة النقل الجوي انعكست بدورها على التنافسية والتسويق، فارتفعت بقوة أعداد المسافرين وأصبح السفر الجوي متاحا أكثر من ذي قبل ولوجهات جديدة فازدهرت صناعة الطائرات والمطارات. ثم ما لبثت سياسة رفع التشريعات أن وجدت طريقها إلى أوروبا الغربية حيث تملك الدول وحمايتها لناقلاتها الوطنية مما جعلها متخلفة عما يحدث في أمريكا، وما مكانة الخطوط البريطانية وريادتها العالمية اليوم إلا نتاج رفع تلك القيود المكبلة. كانت بيئة النقل الجوي الأوروبي الأقرب إلى منطقتنا جغرافيا من واقع تردد طائراته إلى مطاراتنا، حيث انتقل نجاح النموذج الأوروبي الجديد وخاصة البريطاني بانتقال خبراته وأساليبه الحديثة إلى طيران الإمارات التي بدأت في نهاية الثمانينيات فقط بطائرات مستأجرة لتقود بدورها ثورة تنموية (لم تشهدها صناعة النقل الجوي في تأريخها) في صناعة النقل الجوي في المنطقة أولا ولتنتقل إلى مصاف العشرة الأوائل عالميا في الجودة والربحية والنمو. تلك المتغيرات الجذرية في صناعة النقل الجوي لم تحرك ساكنا في كينونة الخطوط الجوية العربية ومنها الخطوط السعودية، بل إن بعض الدول العربية اتجهت عكسا حيث أنشأت وزارات للطيران المدني ـ اسميا ـ بينما يتسنم قياداتها من أمضى 40 سنة في البيئة العسكرية! فهل يتوقع أن يكون لمصطلحات الجودة النوعية والتسويق والعلاقات العامة والشراكة وراحة الزبون و.. و.. إلخ، معنى في ما تراكمت به خبراتهم وعاداتهم السلوكية والإدارية؟ ولقد شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تغيرات إدارية كبرى تمثلت بمبادرات دمج وإعادة هيكلة وإنشاء في قطاعات حكومية كبرى، فمثلا دمجت رئاسة تعليم البنات مع وزارة المعارف لتصبح وزارة التربية والتعليم، والماء مع الكهرباء، وتم استحداث هيئات خاصة بالاقتصاد الجديد كالهيئة العليا للسياحة والهيئة العامة للاستثمار وهكذا. بل إن ولي العهد السعودي يشرف بنفسه ويقود التطوير الإداري الشامل من خلال قيادته المباشرة للجنة العليا للإصلاح الإداري. وكلنا يقين بنجاح مهمة سمو ولي العهد الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز، سلمه الله، في تطوير صناعة النقل الجوي في المملكة لتعود رائدة إقليميا وعالميا كما كانت عليه ولتواكب متغيرات العالم الجديد، ولتكون الخطوط السعودية كغيرها شركة تجارية تعمل في بيئة اقتصاد حر وتلتزم بتشريعات هيئة الطيران المدني التي بدورها لها كينونتها الحكومية التي تتناسب مع طبيعة عملها في النقل المدني للركاب والبضائع.