الأكلات الإيطالية تعيد تشكيل موائد السعوديين
غيرت المطاعم الإيطالية من ثقافة الأكل لدى السعوديين، متجاوزين الأطباق التقليدية التي اعتادوها، إذ لم تكن تحتاج المطاعم الإيطالية في الرياض سوى لفترة وجيزة لتجذب الاهتمام إليها، وتنقل جزءا مهما من ثقافتها إلى المجتمع السعودي.
وبرزت من خلال هذه المطاعم عادات غذائية، وطرق لتقديم الأطباق. ولم تعد الأسر تقتصر في مائدتها على الأكلات الشعبية كالمعتاد، بل أصبح الطبق الإيطالي ذا خط مواز للمائدة السعودية.
ومن الغريب أن تخلو منطقة في الرياض من أحد المطاعم الإيطالية، ما حدا بالمستثمرين إلى عقد شراكة مع كبار مطاعم إيطاليا، أو الاستعانة بطهاة من بلد المنشأ لتأصيل تلك الثقافة.
ويعود المطبخ الإيطالي إلى القرن الرابع قبل الميلاد، فهو بصورته اليوم قد تطور عبر قرون من الزمن، ليصل المذاق الإيطالي إلى العالمية من خلال تطوير الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلد. وأسهم ذلك بشكل كبير في نقل الثقافة الإيطالية إلى العالم والثرية بأطباق متميزة وغنية غذائياً، بعكس الاعتقاد الخاطئ بأن المذاق الإيطالي لم يبرز إلا في ''المكرونة'' و''البيتزا'' فقط. وعرف العالم من المطبخ الإيطالي مواد غذائية جديدة، اكتشفت في القارتين الأمريكيتين مثل ''البطاطا'' و''الطماطم'' و''الفلفل'' و''الذرة'' و''الكاكاو''. ولم تظهر هذه المكتشفات الغذائية ضمن أطباق المطابخ العالمية بصورة بارزة حتى القرن الـ 18 الميلادي، إلا أن المذاق الإيطالي أسهم في إشهارها.
ومن أشهر الأطباق الإيطالية ''اللازانيا'' ''الفوتشيني'' ''الإسباقيتي'' ''الكانالوني'' ''البيني''، إضافة إلى أطباق منوعة لأسماء سلطات، وعلى الطريقة الإيطالية أبرزها ''سلطة فواكه البحر''، في حين أن ''الباستا الإيطالية'' كما هي شائعة عند الإيطاليين، وصلتهم من الصين مع الرحالة الإيطالي ''ماركو بولو'' عام 1247 م، حين أحضر معه ''النودلز'' وطريقة صناعته من الطحين ومواد غذائية أخرى منها البيض والأرز والبطاطا وغيرها، ومنها دخلت صناعة ''المكرونة'' وأصبحت من أشهر الدول المصدرة للمكرونة. وأطلق على ''روما'' عاصمة المكرونة، وهناك اعتقاد آخر بأنه عند احتلال الطليان ليبيا كان الليبيون في منطقة ''مقرون'' يعدون طعاما اسمه ''مقطع'' وفكرة المقطع تشبه إلى حد كبير المكرونة، فلما شاهدها الطليان أعجبتهم ونقلوها إلى دولتهم، لكن لصعوبة الاسم سموه ''مقرونة'' نسبة إلى منطقة ''مقرون'' في ليبيا، ليكون لهم دور مباشر في نقل الحضارة في مختلف جوانبها، فانتشار الثقافة الغذائية المتمثلة في نقل قوائم الأطباق يسهم في تنشيط الاقتصاد الإيطالي من خلال الاستثمار عبر العالم.
ولعل أبرز منتج يرتكز عليه الاستثمار الإيطالي هو صناعة ''المكرونة'' التي تعد الغذاء الأساسي للموائد الإيطالية في مختلف أنواعها وطرق تحضيرها، فمعدل استهلاك الفرد الواحد منها 30 كيلو جراما في العام الواحد، بخلاف الفرنسيين الذين لا يعتمدون على ''المكرونة'' بشكل أساسي التي يصل استهلاك الفرد منها إلى نحو ستة كيلو جرامات وقد تنخفض، فالأكل الإيطالي من أكثر الأطباق التي تحوي عناصر غذائية، على الرغم من احتوائها على طرق تحضير تمتاز بالغرابة نوعاً ما. يقول منذر بركات الشيف في أحد المطاعم الإيطالية: إن السعودي اليوم لا يتوانى عن دفع مائة ريال للطبق الإيطالي، ''فتجده يعشق الباستا على الطريقة الإيطالية واللازانيا والبيتزا، إضافة إلى طبق الحلو ''التراميسو'' الذي تجده حاضرا في المطاعم ومقاهي الكوفي شوب حتى لو لم تكن على الطراز الإيطالي''.
ويضيف: ''الإيطاليون يمتازون بثقافة الطبخ والابتكار بشكل يميزهم عن بقية دول أوروبا، خصوصاً فيما يتعلق بـ ''الباستا'' و''البيتزا'' والصناعة الغذائية المختلفة''.
وذكر أن كلمة ''باستا'' هي لفظ إيطالي مرادف لمفردة ''العجينة'' وهي تعبير عام للمغايرات الإيطالية من ''المكرونة''، ويشير إلى أن الإيطاليين غالباً ما يكون جل أحاديثهم عن الطبخ، وعن أطباقه والتفاصيل المتعلقة به.
أما فولتير كرس الشيف في أحد المطاعم الإيطالية، فذكر أنه يعمل في الرياض منذ أكثر من ثماني سنوات، ويرى أن الاستثمار التجاري في المطاعم واجه نقلات متتالية، موضحاً أن المطاعم قبل سنوات كانت تركز على شركات عالمية معظمها أمريكية متمثلة في الوجبات السريعة مثل ''البرجر والبروستد'' وغيرها. إلا أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت الرياض نقلة نوعية في ثقافة المستهلك السعودي من خلال نقل الثقافات الأخرى، فهو يفضل التنوع في الأغذية ويبحث عن التجديد، فقد كان قبل عامين يفضل المذاق الهندي نظراً إلى قربه من طريقة غذائه، إلا أن هذا لم يستمر طويلاً، أو ربما زاحمه المذاق الإيطالي.