هيبة الخنزير
أستطيع أن أجزم أن ردة فعل أي مسلم -في أي مكان في العالم- اتجاه أكل لحم الخنزير تكاد تكون متساوية إعتقاديا وعمليا!. وأعني بكلمة عمليا هنا أن المسلم لا يأكله!. وهذا – للأسف – لا ينطبق على مسألة واضحة كالخمر مثلا!. حيث أنك تجد أن الموقف الإعتقادي لجل المسلمين بالنسبة للخمر هو واحد بشكل عام ولكن الموقف العملي مختلف. حيث أنك تجد مسلمين يشربون الخمر.
هيبة الخنزير هذه من أين جاءت؟. فإذا اتفقنا أن الخنزير حيوان غير منتشر وليست له شعبية في الجزيرة العربية إبان تحريمه، لماذا طالت هيبته مسلمي الشرق والغرب؟. وبتحليل الموقف أستطيع أن أقول ما يلي:
لم تكن للخنزير في الشرق الأوسط أية شعبيه. لذا تجد أن سكان هذه المنطقة لم يتعودوا عليه. بعكس الخمر مثلا. إذن فرفض مسلمي الشرق الأوسط لأكله هو موقف يكاد يكون أمرا اعتياديا أكثر من كونه أمر دينيا. هذا بالنسبة للشرق الأوسط. ماذا عن مسلمي الشرق الأقصى والغرب؟ فعلى الرغم من أن الخنزير حيوان له شعبيته هناك إلا أن المسلمين هناك لا يأكلونه، لماذا؟ هل هو إتباع لأمر ديني ؟ فإذا كان إتباعا لأمر ديني لماذا ( بعضهم) يشرب الخمر؟.
وصلت هيبة الخنزير في نفس المسلم مكانة تكاد تكون متجذرة في باطن عقله وروحه وجسده، لدرجة أن السكران وهو طائش العقل – فاقد يعني- يرفض الخنزير رفضا يجعلك تشك في نوعية الخمر التي يشربها!!.
قد يقول قائل أن الخنزير حيوان مقرف أو أنه غير صحي أو أن له أضرارا كثيرة. وهذه الأقوال لا يعتد بها ولا ينظر إليها إذا ما قارناها بأضرار الخمر الفتاكة، بل إن أضرار الخمر قد تتعدى الضرر بالنفس إلى الضرر بالآخرين، ومع ذلك تجد أن هناك من يشربها، ولكنه بنفس الوقت يرفض الخنزير!!.فلو كان الخنزير يعي ويفهم لوجد عظم حجم الاحتقار والمهانة التي هو فيها عند المسلمين واليهود، في حين أن الخمر يكاد يطير فرحا بعظم مكانته (العملية) عند جميع شعوب وأديان العالم.
وكما نعلم جميعا فالخمر محرم، والكذب محرم، ولكن وعينا بالخمر أعلى منه في الكذب. فدرجة الوعي لدينا اتجاه المحرمات تختلف لأسباب تربوية ولقناعات شخصية. فنحن نجد الشخص الملتزم ( المطوع) وهو يتأخر عن دوام عمله، في حين أنه لا يتأخر عن صلاة الفجر. تجده أيضا لا يقدم أحدا على رسول الله عليه السلام، ولكنه يقدم أحد أقرباءه في الوظيفة على غيره ( بالواسطة والمحسوبية). والعكس صحيح، تجد من هو متهاون في أداء الصلاة ، هو بنفس الوقت محافظ على أوقات العمل، كذلك تجده يعصي أوامر الرسول عليه السلام، ولكنه لا يسمح بالواسطة والمحسوبية. وهذين الشخصين المختلفين من ناحية درجة الالتزام بالدين وأسلوب الحياة تجدهما متفقين تماما حول حرمة أكل لحم الخنزير.
وختاما، إن هذا الحضور ( الخنزيري) العظيم في عقلية وذهنية المسلم ( سواء كانت درجة التزامه فل أو نص أو يمشي الحال) تجعلني أتمنى أن أغذي وأطعّـم جميع المحرمات من دم الخنزير، حتى تنال شيئا من الهيبة الخنزيرية.