شركات الاستثمار الوهمية والمسؤولية الحكومية

align="right">    تعتبر حرمة أموال الناس من الضروريات الخمس الواجب الحفاظ عليها، وهي ركن أساسي من أركان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأي دولة مهما كانت أنظمتها أو نوعية إدارتها، والاعتداء على هذه الحرمة هو اعتداء على سلطة البلد لأن الضروريات أو الكليات الخمس هي: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال، ودعت جميع الأديان السماوية وعقلاء بني البشر إلى أهمية مراعاتها وإصلاحها وصيانتها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، وحرمة شهركم هذا.." والاعتداء على أموال الناس بأي طريقة تنتهي بسرقتها هو اعتداء باطل يرقى إلى حد الإفساد في الأرض. يقول الله سبحانه وتعالى تأكيدا لذلك: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" وقوله "وأكلهم أموال الناس بالباطل"، جميع هذه مؤشرات إلى عظم تحريم أكل أموال الناس مهما كانت الأسباب.<br>
    إن أي مجتمع يقبل أن يقوم فرد أو أكثر باستغلاله لمرة واحدة أو اثنتين مستغلا في ذلك حسن ظن المجتمع به وتأكد المجتمع من تحمل الأجهزة المعنية مسؤوليتها في مراقبة مثل هؤلاء المستغلين لطيبة المواطن وربما جهله أو طمع البعض منهم أو لأي أسباب أخرى تدفع المواطن لوضع جزء من رأسماله أو كله أو يستلف عليه في يدي مثل هؤلاء المستحلين لحرمة الله سبحانه وتعالى ثم لأموال الناس، إلا أن ما لا يمكن قبوله هو أن تصبح ظاهرة تشغيل أموال الناس والعبث بها ظاهرة اجتماعية اقتصادية بحيث لا يتم إلقاء القبض على مشتغل بها إلا ويظهر آخر في المدينة نفسها مع انتشار الظاهرة في العديد من المدن والقرى. <br>
    أن يكون قيام مثل هؤلاء المستغلين في الخفاء واستغلالهم حاجة المواطنين للاستثمار أمرا مقبولا ولكن أن يكون بالشكل الذي نراه اليوم من خلال فتح المكاتب ووضع اللوحات الدعائية وتوظيف العاملين وفتح الحسابات في البنوك ووضع الإعلانات الدعائيـــة في صفحات الجرائد وقيامـــهم بالتبرع لبعض الأجهـــــــــزة أو الإدارات ذات العلاقة بالرأي العام لإظهار قدراتهم المالية من جهة وعمل نوع من الدعاية من جهة أخرى وخروجهم على القنوات الفضائية كموجهين للاستثمار وشارحين له، تجعلنا جميعا نتساءل: أين الجهة المسؤولة عن ذلك، وكيف يسمح لمثل هؤلاء بالقيام بكل ذلك ثم سرقة أموال الناس والهروب بها أو ادعاء العجز عن التسديد أو المماطلة في ذلك؟ ويبدأ المستثمرون معهم يدورون في حلقة مفرغة للبحث عمن يساعدهم في استرداد أموالهم، ولذا أعود لسؤالي وهو أين الجهة المسؤولة أو ربما السؤال الأكثر شفافية هو: ما الجهة الحكومية المسؤولة التي يجب أن تمنع السرقة قبل وقوعها؟<br>
    إن الحكومة بغض النظر عن الجهة المعنية فيها هي في رأيي المسؤولة عن حماية حقوق الناس وحفظ أموالهم وعدم السماح لمثل هؤلاء الأفراد أو الشركات الوهمية باستغلال جهل أو ثقة الناس في أنظمتها الحكومية، لأن الأصل الذي يمكن الاستناد إليه مع إعلان مثل هذه الشركات الوهمية بكل الوسائل التي ذكرتها عن قيامها بالاستثمار يعطي المواطن الطمأنينة أن الحكومة سمحت لمثل هذا المستثمر بالقيام بالعمل بعد الحصول على الرخص المطلوبة ووضع الضمانات المالية اللازمة، ولهذا يكون السؤال شرعيا حول المسؤولية الحكومية عن حماية أموال الناس من الاعتداء والسرقة.<br>
    كما أن المسؤولية الحكومية تتطلب توعية المواطنين بمعرفة وسائل الاستثمار وقنواته من خلال الوسائل الإعلانية والتوعوية المختلفة، خصوصا إذا أعطينا المواطن أو المواطنة العذر في جهلهم بقنوات الاستثمار وفوائدها ومغبة الدخول في استثمارات وهمية، كما أن المسؤولية الحكومية تزاد عبئاً إذا عرفنا وللأسف الشديد الطمع المادي المقلق لبعض فئات المجتمع ورغبتهم الشديدة في سرعة الاستثراء سواء بسبب الظروف المادية الصعبة لبعضهــــــم أو للانشغـــــال بأعمــــــال لا تسمح لهم بالقيام بالاستثمار بأنفسهم أو لطمع البعض الآخر ورغبة في سرعة زيادة رأسماله دون النظر لحجم المخاطرة على فرضية إما الغنى وإما الفقر الذي يضاف للفقر الذي يعيشه.         <br>
    إن قيام الحكومة من خلال تحديد الجهة المسؤولة فيها بمتابعة مثل هذه الشركات الوهمية وعدم السماح لها بالعمل أصلاً ووضع الغرامات الحازمة الجازمة التي يجب أن ترقى إلى مستوى جزاء الإفساد في الأرض وسرقة أموال الناس بالباطن تأكيد لقول الله "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" وأنا هنا لا أفتي بشيء ولكن أرى أن الأمر تجاوز كل المعايير التي يمكن قبولها وسوف يؤثر بشكل مباشر على الجهود المخلصة لاستقطاب استثمارات محلية أو خارجية لدعم اقتصاد المملكة.<br>
    كما أن التوعية الإعلانية والمجتمعية المستمرة للمواطنين بخطورة مثل هذه الشركات الوهمية وأن الحكومة غير مسؤولة عمن يضع أمواله في مثل هذه الشركات الوهمية، يجعلنا جميعا في حل من المسؤولية لمن أراد أن يلقي بماله إلى التهلكة.<br>
    أخيراً دعوة صادقة إلى أحبتنا المواطنين لإعمال العقل في الاستثمار وعدم الاندفاع خلف الدعايات الوهمية لمثل هذه الشركات والتأكد أن لهم أعوانا في كل مجلس يتحدثون عن نسبة أرباحها الخيالية وأمانة رجالها بطريقة لا توحي بالدعاية وإنما في سياق حديث عام وهؤلاء المرتزقة لهم نسبة عن كل ضحية يحضرونها للهامور الرئيسي، ولعل لنا في تجاربنا السابقة وللأسف الشديد خير عبرة لـــذلك، كما أن مــــا كنا نسمعـــــــه عن تـجارب بعض دول الجوار من مؤسسات أو شركات توظيف الأموال وكيف أنها اختفت بأموالهم ولم يعد لها أثر.</div><div align="right">وقفـــــــــــة تأمـــــــــــــل: </div><div align="center">              لقيتها ليتني مــا كنت ألقاهـــــــــا <br>
                  تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها                     <br>
                أثوابها رثـــــــة والرجــــل حافيـــــــــة           <br>
  والدمع تذرفه في الخد عيناهـــا<br>
                مات الذي كان يحميها ويسعدها  </div><div align="center">   فالدهر من بعده بالفقر أشقاهـا <br>
                الموت أفجعهـــا والفقــر أوجعهــــــــا         <br>
                 والهم أنحلهـــا والغــم أضناهـــــــــا                        </div>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي