التحكيم التجاري ولقاء المحكمين (1 من 2)

التحكيم التجاري ولقاء المحكمين (1 من 2)

التحكيم التجاري ولقاء المحكمين (1 من 2)

<a href="mailto:[email protected]">drmaljarba@hotmail.com</a>

التحكيم التجاري أصبح إحدى وسائل فض المنازعات التجارية المعروفة في عالمنا المعاصر وشهد ازدهارا واسعا خلال السنوات الماضية على مستوى العالم وذلك لتنوع المعاملات التجارية وارتباطها بالعديد من الدول، وأيضا رغبة رجال الأعمال والشركات في حل منازعاتهم بالسرعة والسرية بعيدا عن إجراءات المحاكم والقضاء العادي.
والتحكيم ليس بجديد علينا فقد عرفته الشريعة الإسلامية منذ زمن بعيد وأقره المصطفى صلى الله عليه وسلم وعرف التاريخ الإسلامي العديد من القضايا التي شارك فيها بعض الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .. وعرفه فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه تولية الخصمين حكما يرتضيانه ليحكم بينهم هكذا عند المالكية، وعند الشافعية تولية خصمين حكما صالحا للقضاء ليحكم بينهم, وعند الحنابلة قريبا من ذلك، ونقل السرخسي في المبسوط ج 21 ص 26 إجماع الصحابة على جواز التحكيم، ولسنا هنا في محل بيان التفاصيل، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المتأمل في التحكيم المعاصر سواء الدولي أو المحلي يجد له أصولا في الشريعة الإسلامية رغم قدمها كما أشرت فعلى سبيل المثال(UNCITRAL Arbitration Rules 1976) قواعد التحكيم الصادرة من لجنة قانون التجارة الدولية وكذلك (UNCITRAL Model Law 1985) القانون النموذجي يجد أنها في جملتها تتوافق مع أحكام التحكيم في الشريعة الإسلامية.
وهذا يوضح لنا عدة أمور منها:
أولا: أهمية العناية بالفقه الإسلامي واستجلاء ثرواته ليقدم إلى عالمنا المعاصر بلغة سهلة ومفهومة ومفهرسة وربطها بالدقائق المستجدة وهذا دور مهم يقع على عاتق علماء وأساتذة الشريعة قبل غيرهم.
ثانيا: ألا نعتقد دائما أن التشريعات الدولية تخالف في جميع أحكامها أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، فهناك مساحة كبيرة للتوافق فيما يقدم مصلحة وتنظيم التجارة الدولية بما فيها التحكيم التجاري وحل المنازعات التجارية.
وبحمد الله وتوفيقه ما أشرنا إليه لقي اهتماما من كثير من الباحثين وغير خاف جهود صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين حفظه الله رئيس فريق التحكيم السعودي في هذا المجال المهم.
وأعود إلى الحديث عن التحكيم التجاري مشيدا باللقاء الذي عقد بين صاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن محمد ومعالي وزير العدل مع المحكمين لتفعيل دور التحكيم كمساند للقضاء وتبادل وجهات النظر للنهوض بهذا الجانب الحيوي.
وقد سبق أن كتبت في التحكيم مقالات متعددة أشرت فيها إلى ضرورة تعديل بعض مواد التحكيم في نظام التحكيم السعودي ليواكب التطلعات المحلية والدولية كما في جريدة الرياض العدد 12454 بتاريخ 20/5/1423هـ، وفي مجلة تجارة الرياض العدد 490 ص39 إلى أهمية إيجاد مراكز موثوقة في المملكة للتحكيم التجاري لاستقطاب أطراف التحكيم سواء السعوديين أو الأجانب. وأشرت إلى أهمية إيجاد المناخ القانوني الواضح إذ إنه من أهم وسائل جذب الاستثمارات الأجنبية.
إذ إن الشركات الأجنبية تحرص دائما على التحكيم التجاري الدولي من خلال بعض مراكز التحكيم الدولية المعروفة مثل ICC أو LCIA وغيرها وذلك رغبة من هذه الشركات في سرعة وسرية إنهاء نزاعاتها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم رغبة هذه الشركات الدخول في مغبة التشريعات الوطنية للدول الأخرى وإجراءتها القضائية التي قد تحتاج لمعرفتها إلى محامين وطنيين للترافع أمامها .. فتجد هذه الشركات أن الخيار الأمثل أمامها هو اشتراط التحكيم الدولي.
ونحن نتطلع بإذن الله وتوفيقه إلى أن نرتقي بمستوى التحكيم لدينا لكسب ثقة تلك الشركات وغيرها وهو ما تزفه لنا البشائر من أن هناك جهودا حثيثة لتطوير قانون التحكيم السعودي في هذا الاتجاه.
وبمناسبة لقاء المحكمين أود الإشارة إلى عدد من الأمور المهمة في مجال التحكيم والتي تعد من ركائز نجاحه وهو ما سنكمله في هذه الزاوية "زاوية شؤون قانونية" بإذن الله وتوفيقه.
بارك الله الجهود لنتمكن من الاستفادة مما لدينا من ثروة فقهية عظيمة. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة