المحكمة العليا في أمريكا .. والمحكمة العليا لدينا

تكون الفائدة التي نجنيها من تعليقات الأساتذة الأفاضل في الموقع الإلكتروني لـ ''الاقتصادية''، في بعض الأحيان أكبر من المقالات المنشورة، ومن هذه التعليقات تعليق على مقال (رئيس المحكمة العليا الأمريكية وتدريب القضاة السعوديين) قلت فيه ''السر الرئيس لنجاح المحكمة العليا الأمريكية هو ممارستها السلطة القضائية في الولايات المتحدة بشكل مستقل، وكذلك سلطتها الدستورية التي تخولها الرقابة على أعمال السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية''، يقول الأستاذ أبو بشير معلقا ''كيف يطبق هذا السر في بلادنا؟ وإذا ممكن تطبيقه متى يا تُرى يكون ناجحا، وما هي أدوات نجاحه؟''.
فهذا هو السؤال الأهم الذي لا بد من مناقشته إذا أردنا الاستفادة من تجارب الآخرين بما يتوافق مع بيئتنا القانونية. فنحن لا ندعو إلى ترجمة القوانين الموجودة هناك حرفيا وتطبيقها كما قد حصل في حالات عدة، وإنما الدراسة المتأنية لآليات العمل المطبقة في الدول الأخرى لتطوير ما لدينا.
عموميات هذا النجاح في نظري ترجع لعاملين، أولهما ممارسة هذه المحكمة لسلطتها القضائية بشكل مستقل، والآخر هو مفهوم أو نظرية Check and Balances، هذا المفهوم مرتبط مباشرة بموضوع الفصل بين السلطات، ويقصد به أن كل سلطة من السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية لديها رقابة بشكل أو بآخر على السلطات الأخرى، بحيث إن أي من هذه السلطات لا يكون لها السيادة المطلقة في تسيير شئون الدولة.
فجميع النصوص القانونية التي لدينا تؤكد أن السلطة القضائية مستقلة، فالمادة 46 من النظام الأساسي للحكم تنص بشكل صريح على أن ''القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية''، فهذا يؤكد مبدأ استقلالية القضاء لدرجة لا تقبل اختلاف وجهات النظر للتفسير القانوني لهذه المادة، فالقضاة خاضعون فقط لسلطان الشريعة الإسلامية في قضائهم لدرجة أنهم إذا رأوا أن نظاما أو مادة في ذلك النظام مخالف للشريعة الإسلامية فيحق لهم مخالفة ذلك بناءً على هذا النص في النظام الأساسي، وذلك يدعم الاستقلالية بغض النظر عن موقف السلطة التشريعية. فمن هذا المنطلق ومن وجهة نظر قانونية بحتة بعيدا عن الواقع؛ فالقضاء لدينا يتمتع بالاستقلالية.
أما المسألة الأخرى فبناءً على النظام الأساسي للحكم فلدينا سلطات ثلاث قضائية وتنفيذية وتنظيميه (تشريعية) والعلاقة بينهم علاقة تعاون، والملك هو مرجع لهذه السلطات. فبناءً على ذلك تختلف البنية القانونية لدينا عن موضوع الفصل في السلطات المطبق في الدول الأخرى.
وبناءً على ذلك أقول للأستاذ أبو بشير إنه يمكن لنا أن نحقق نفس نجاح المحكمة العليا الأمريكية في حالة تحقيق عدة أمور، منها تدعيم استقلال القضاء على أرض الواقع ومحاسبة من يتدخل في شؤون القضاء من السلطات الأخرى، وثانيا تعديل نظام القضاء لدينا لكي تشمل اختصاصات المحكمة العليا الاختصاص الدستوري، وذلك في الرقابة على القوانين الصادرة، وثالثا إيضاح موضوع مفهوم التعاون بين هذه السلطات؛ فهذا التعاون مطلوب، ولكن لا بد من تحديد الاختصاصات لكل سلطة تفاديا لتداخل السلطات كما هو حاصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية بشكل كبير.
هذه مجرد خواطر أردت أن أشارككم بها، بينما هذا الموضوع يحتاج إلى أبحاث متخصصة لدراسة الوضع الحالي، وجزء من هذه الأبحاث لا بد من أن يعمل ضمن مشروع تطوير القضاء الحالي.

المزيد من الرأي