أثر زيادة إنتاج النفط العراقي في أسواق النفط
أعلنت الحكومة العراقية أنها، بمساعدة شركات النفط الأجنبية، سترفع إنتاجها من المستويات الحالية إلى نحو 12 مليون برميل يوميا بحلول عام 2017. لكن الخبراء، بما في ذلك أغلبية الخبراء العراقيين، يرون أنه لا يمكن للعراق أن يصل إلى هذا الهدف ضمن الفترة المحددة، كما يرون أنه ليس من مصلحة العراق زيادة الإنتاج بهذا الشكل.
وتشير الدراسة التي أصدرتها شركة إن جي بي إنيرجي كابيتال منجمنت، وهي من كبريات الشركات الاستثمارية في مجال الطاقة، التي صدرت بعنوان ''أثر توسيع العراق طاقته الإنتاجية في أسواق النفط العالمية'' إلى أنه لا يمكن للعراق أن ينتج 12 مليون برميل بحلول عام 2017 لأسباب فنية واقتصادية وسياسية وقانونية. وأشارت الدراسة، التي غطت الحقول العراقية حقلا حقلا، إلى أن تجربة الدول النفطية التي عانت اضطرابات سياسية تشير إلى أن أي زيادة كبيرة في الإنتاج تستغرق وقتا طويلا، كما أنه لا يمكن زيادة الإنتاج باستمرار بسبب معدلات النمو, كما أوضحت التجربة الروسية, فبعد الأزمة المالية التي عانتها روسيا عام 1998، ثم قيامها ببعض الإصلاحات الاقتصادية وتخفيض عملتها ''الروبل''، استغرقت زيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا ثلاث سنوات. ثم زاد الإنتاج بمقدار مليوني برميل في السنوات الثلاث التي تلتها. إلا أنه رغم كل الجهود، لم تستطع روسيا خلال السنوات الست الأخيرة الحفاظ على ذلك النمو, حيث إنها لم تتمكن من زيادة الإنتاج بأكثر من 500 ألف برميل يوميا .. فهل سيعاني العراق المشكلة نفسها؟ وتشير الدراسة إلى أنه حتى تاريخ العراق يشير إلى النتائج نفسها, فبعد تدمير بعض المنشآت النفطية مع بداية الحرب العراقية - الإيرانية، تطلبت إعادة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الحرب ثلاث سنوات. كما تطلبت زيادة الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا نحو ثلاث سنوات ونصف بين عامي 1986 و1990. وبعد تخفيف العقوبات الاقتصادية نوعا ما مع بداية برنامج النفط مقابل الغذاء في بداية عام 1997، استغرقت زيادة الإنتاج ثلاث سنوات. ورغم كل الجهود لزيادة الإنتاج بعد الغزو الأمريكي للعراق، استغرق رفع الإنتاج إلى مستويات قريبة من مستويات ما قبل الغزو نحو أربع سنوات.
وتضمنت دراسة ''إن جي بي'' ثلاثة سيناريوهات, تتوقع شركة إن جي بي في الحالة الأساسية أن يصل إنتاج العراق إلى 4.9 مليون برميل يوميا فقط في نهاية عام 2017. أما في أفضل الحالات فإن الطاقة الإنتاجية ربما تصل إلى ستة ملايين برميل يوميا. ولعل من أهم نتائج الدراسة أن الطاقة الإنتاجية في العراق سترتفع حتى في أسوأ الحالات وستصل إلى 3.3 مليون برميل يوميا, هذا يعني أن الإنتاج سيزيد على كل الحالات، لكن ليس إلى الكميات التي ترغب الحكومة في إنتاجها.
توسيع الطاقة الإنتاجية والطلب العالمي
على النفط
بناء على توقعات شركة إن جي بي للطلب والعرض العالميين على النفط عام 2017، فإن أي إنتاج للعراق فوق 4.3 مليون برميل يوميا سيؤثر سلبيا في أسعار النفط. هذا يعني أن العالم يستطيع استهلاك زيادة في إنتاج النفط العراقي قدرها 1.5 مليون برميل يوميا دون التأثير سلبيا في أسعار النفط. ويشير النموذج الرياضي للشركة إلى أنه إذا زاد إنتاج العراق بالشكل الذي تريده الحكومة العراقية فإن أسعار النفط ستنخفض إلى 18 دولارا للبرميل. لذلك فإنه ليس من مصلحة العراق أو شركات النفط العالمية زيادة إنتاج العراق فوق حد معين يهدد بانخفاض أسعار النفط.
واستخلصت الدراسة أن المحدد الأساس لنمو الطاقة الإنتاجية في العراق هو الطلب العالمي على النفط, حيث إن العراق وشركات النفط العالمية ستتضرر بشكل كبير من زيادة إنتاج العراق بشكل كبير وانهيار أسواق النفط العالمية. كما استخلصت الدراسة أن حدة الوطنية ستزداد، وإن كان بعضها رمزيا فقط، الأمر الذي يحد من حجم الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي سيحد من التوسع في الطاقة الإنتاجية. وأشارت الدراسة إلى أن العجز في الماء والكهرباء وهجرة العقول العراقية والعمالة الماهرة، سيجعلان من الصعب تحقيق أهداف الحكومة في زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 12 مليون برميل يوميا. وخلصت الدراسة إلى أن أثر توسيع الطاقة الإنتاجية في العراق في أسواق النفط العالمية سيكون محدودا لأنه سيتم استيعاب أغلبية الزيادة في الإنتاج. إن الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط العراقي خلال فترة وجيزة سيهدد أسواق النفط وستسهم في زيادة مشكلاتها، إلا أن عدم قدرة العراق على زيادة الإنتاج بالشكل الذي ترغبه الحكومة سيسهم في استقرار أسواق النفط نوعا ما.