«شنطة شمسية» تنقذ من الموت

بما أن الطلب العالمي على الطاقة سيستمر في النمو، خاصة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة، فإننا في حاجة إلى كل مصادر الطاقة. إلا أن هذا الخليط من المصادر لا يمكن أن يستمر وتكون إمداداته مستقرة إلا إذا كان مدعوما بقوى السوق. إن اختيار الحكومات مصادر طاقة لا تؤيدها قوى السوق هو أحد الأسباب الأساسية في ارتفاع أسعار النفط وتقلبها، وبالتالي فإنه أحد الأسباب التي تهدد أمن الطاقة العالمي وتعرضه للخطر.
الواقع أنه لا يمكن وقف التطور التكنولوجي ولا يمكن عكسه، إلا أن التدخل الحكومي لاختيار تكنولوجيا معينة لتقوم بدور غير الدور الحقيقي الذي يمكن أن تسهم فيه في بناء المجتمع وتحقيق تنمية مستدامة، أو بدور أكبر من دورها الذي تقصده الحكومة، يمكن أن يؤدي إلى مشكلات كثيرة، وتقلبات كبيرة في إمدادات الطاقة وأسعارها. سبب المشكلة أن أغلبية الاختيارات الحكومية في الدول المستهلكة مبنية على عدائها للنفط ودول النفط، وليست مبنية على الاختيار الأمثل لمصادر الطاقة التي تعزز أمن الطاقة من جهة، وتضمن إمدادات مستمرة ومستقرة من الطاقة. إذا كان الهدف هو الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة, بحيث يكون الفرق بين المنفعة والتكلفة أعلى ما يمكن، لانحل كثير من مشكلات الطاقة في العالم.
فقد قامت بعض الحكومات بإنفاق مليارات الدولارات لتطوير خلايا الوقود التي تستخدم الهيدروجين لاستخدامها بدلا من المحرك الانفجاري في السيارات الذي يعتمد على البنزين والديزل حاليا. لكن هذه الحكومات غيرت رأيها عندما اكتشفت صعوبة تطبيق هذه التكنولوجيا من جهة، وصعوبة الحصول على المعادن النادرة التي تستخدم في بناء خلايا الوقود، وتعرض الأمن القومي للخطر لأن البلوديوم، وهو المعدن الأساس المستخدم في تطوير خلايا الوقود، لا يوجد بكميات وفيرة إلا في روسيا وجنوب إفريقيا. في ظل عدائها للنفط، وجهت بعض حكومات الدول المستهلكة كل جهودها لاستخدام الهيدروجين وخلايا الطاقة في قطاع المواصلات، وفشلت في ذلك. إلا أن قوى السوق أوجدت سوقا رائجة ومربحة لخلايا الطاقة، لكن ليس في قطاع المواصلات، لكن في قطاع الكهرباء، خاصة في الأماكن النائية. كما أن هناك سوقا رائجة لها ضمن مؤسسات وشركات معينة، مثل المستشفيات التي تحتاج إلى كهرباء عند انقطاع التيار الكهربائي. لقد مكنت خلايا الوقود بعض المستشفيات في الدول المتقدمة من الحصول على إمدادات كهرباء مستمرة، وكفاءة أعلى بكثير من كفاءة الكهرباء التي تولدها وتوزعها الشركات. إن الدور الأساس لخلايا الوقود في هذه الحالة هو توفير الكهرباء للمستشفيات والمصانع التي لا يمكنها أن تتوقف ولو للحظة واحدة، وبعض الأماكن النائية.
الأمر نفسه ينطبق على الطاقة الشمسية, ففي الوقت الذي ركزت فيه بعض الحكومات على مشاريع شمسية ضخمة ومكلفة، هناك سوق ناجحة جداً لاستخدامات الطاقة الشمسية على مستويات صغيرة، لا تحل مشكلة الطاقة فقط، وإنما تنقذ الناس من الموت وتساعد على الخدمات الصحية, حيث إن الفرق بين المنفعة والتكلفة كبير لدرجة أنه لا يمكن تقديره أحياناً. هذه التطورات قام بها القطاع الخاص، دون أي تدخل حكومي.
هناك قصص كثيرة تصف كيف أن استخدام الطاقة الشمسية أنقذ الناس من الموت. هذا الاستخدام بدأته الدكتورة لورا ستاشل، وهي طبيبة أمريكية ذهبت إلى المناطق النائية في نيجيريا لدراسة الوضع الصحي للنساء في المنطقة، واكتشفت أن النساء يمتن أثناء الولادة بسبب عدم توافر الكهرباء أو تقطعها (لأسباب كثيرة، منها عدم وجود بنك دم لأن بنك الدم يحتاج إلى كهرباء للحفاظ على الدم في أجهزة التبريد أو عدم القدرة على الاتصال بالإسعاف أو بمستشفيات المدن الكبيرة, وبسبب الأخطاء الطبية أثناء العمليات لأنها تتم على ضوء الشموع). ولأنها درست ذات مرة الطاقة الشمسية، فقررت بناء ''شنطة الطاقة الشمسية بمساعدة زوجها، وهي عبارة عن شنطة صغيرة تحتوي على كل ما يحتاج إليه الشخص للحصول على كهرباء من الطاقة الشمسية. الأجهزة في الشنطة الصغيرة كافية لإنارة غرفة العمليات، الحفاظ على الدم مبرداً، وتشغيل لاسلكي يمكن الممرضين من الاتصال بالأطباء في أماكن بعيدة نسبيا للحصول على تعليماتهم، أو الاتصال بهم في بيوتهم. وما يميز هذا الاختراع أن تركيبه وتشغيله سهل للغاية. ثم قامت الطبيبة لورا بإنشاء جمعية خيرية هدفها تزويد مستوصفات ومشافي القرى النائية بهذه الشنط، وتشجيع التعاون بين المهندسين والأطباء لتحسين أداء خلايا الطاقة الشمسية في هذه الشنطة.
عندما ضرب الزلزال هايتي، قتل مئات الآلاف، ودّمر كل شيء، بما في ذلك مولدات الكهرباء التي كانت تزود البلد بالكهرباء. الجرحى بعشرات الآلاف، والمستشفيات تهدمت. لم يكن هناك حل أمام الأطباء الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم لمساعدة المشردين سوى استخدام ''الشنطة الشمسية'' التي اخترعتها الدكتورة لورا, التي ذهبت شخصيا مع زوجها مع عدة شحنات من هذه الشنط، لمساعدة الجرحى والمشردين. إحدى الشنط تم إرسالها إلى أحد مستوصفات القرى النائية التي تأثرت بالزلزال لاستخدام الكهرباء بدلا من الشموع. ونظرا لعدم وجود وسائل مواصلات فتم إرسالها مع أحد الفتية على حمار بعد أن تم تدريب الفتى على كيفية بناء الشنطة وتشغيلها.
مع وجود ''الشنطة الشمسية'' اكتشف الأطباء أن توافر الكهرباء يمكنهم من استخدام أجهزة أخرى مثل الأشعة والشفط وغير ذلك من الأمور التي وفرت عليهم وقتا طويلا، ومكنتهم من إسعاف المرضى بسرعة. بقي أن نذكر أن تكلفة الشنطة في حدود ألف دولار فقط، وتكاليفها تنخفض باستمرار وهناك عدة شركات تبيعها على الإنترنت لأغراض مختلفة، منها للطوارئ، ومنها للمخيمات والرحلات البرية. آخر التطورات في حياة الدكتورة لورا وزوجها أنها لم تعد ترغب في تصنيع هذه الشنط وشحنها إلى المناطق النائية حول العالم أو مناطق الكوارث، وإنما تعليم السكان كيفية تصنيعها بأنفسهم.
ما سبق هو أمثلة على أمور كثيرة يمكن للقراء أن ينتجوها بأنفسهم، منها أنه مثال على التطوير الأمثل والاستخدام الأمثل لمصادر الطاقة دون أي تدخل حكومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي