يا بعد قلبي
يا بعد قلبي
الكثير منا من يدغدغ مشاعر الأنوثة الزوجية بهذه الكلمة ، وتحلو كلما كانت بعد وجبة طعام ، تختفي معها حقيقة خلع القلب وإهدائه لزوجة عن طريق مبضع الجراح إلى أنها لا تعدو وصف لحب يخرج من القلب يكاد أن يكون من الأهمية بمكان كالقلب .. هذا ما توضحه عبارة (يا بعد قلبي).
لكن ما يتجاهله الكثير من مرتادي هذه العبارة أن في العبارة شيء من الصراحة الصريحة عند أطباء القلوب ؛ فالدهون مسؤولة عن السمنة (رابع أخطر داء حسب تقرير منظمة الصحة العالمية) وهذه الدهون من أكبر المسؤولين عن إنتاج الهرمونات الجنسية التي تحتاج إلى تنشيط .
إذاً المسألة قد كشفت لتعلن صدقها ولتأخذ صك براءتها ؛ فإفراط الزوج أو الزوجة بتناول الدهون ، ينتج عنه زيادة في الحب الجنسي ، وبالتالي تعريض القلب إلى زيادة الدهون والتي قد تورده المهالك فحقاً ما قله الزوج : يا بعد قلبي .
فهذا الحب قد دفعه إلى التضحية بصحة قلبه ، وعدم المبالاة بمجرد داعي الحب ، ونداء العشق ؛ ومن هنا تتحقق لنا عبارة أخرى هي : ( ومن الحب ما قتل ) ، فعلاً ومن الحب ما قتل , لكن وأيضاً : ( ومن الدهون ما قتلت ) .
قرائي الرشيقين ؛ كم هي المناظر المخجلة التي نشاهدها في الأماكن العامة والخاصة ، أهرامات متقدمة ، وأخرى متدلية ، وثالثة موزعة على الجوانب ؛ تلك هي مناظر (الكروش) إن صح التعبير!! .
ولقد أثار ضحكي تبرير أحدهم بأن المسألة ( أي الكروش ) مقسمة إلى ثلاث أنواع ، وليست مجرد نوع واحد .
فقلت : ما هي يا أستاذ (الكروش) ؟
فقال : الأول : من هو تبتدئ كرشته من أعلى الصدر إلى أسفله ؛ هذا يسمي يا بني ( كرش عز ) .. كيف ؟
أي أن (الكرشة) الظاهرة ناتجة عن ثراء ومفطحات ومنادي ، وأمور يحبها قلبك وبطنك .
الثاني : من تبدأ (كرشه) من مقدمة بطنه إلى الأمام (بوز) أشبه بعامود إنارة قائم ، ولكن بشكل مائل ، يلفت النظر ، ولا يدعو إلى التساؤل ، أو إثارة الشكوك حول (كرشته) ؛ فهذا يسمى ( كرش هيبة ) .
الثالث : هو من تتحرك (كرشه معه ) فإذا ترنح إلى اليمين سبقته ، وإن سحب نفسه إلى اليسار استجابة له ، حتى في السلام على كبار الشخصيات تتعمد التحرك وعدم الاستقرار ، يعني يا بني هذه (الكرش) لا تقدر الضيوف ولا الناس .
وماذا تسمي يا أستاذ (الكروش) ؟
بالطبع لن نجرح صاحبها بما يسيء إليه فهذه (الكرش) يسمى صاحبها (على قدر حاله) ، يعني أن المصادر التي أدت إلى ظهورها ليست أصليه مثل المفطحات ، والمنادي ، والمشويات ؛ بل هي كما قلت على قدر حاله لقمة ولقمتين ونفخت بطنه تلك النفخة .
وياليت قومي يعلمون أن السمنة مرض ، السمنة خطر ، السمنة داء ، الأمر ليس بسيط وهين كما يتصوره البعض ؛ أسألوا وابحثوا عمن أصيبوا بالجلطات المختلفة تجد أن سبباها الرئيسان هما : السمنة والتدخين .
أصبحت السمنة من أكثر الأمراض شيوعاً في العالم، إذ يموت بسببها أكثر من 300 ألف شخص سنوياً. وتسبب السمنة العديد من الأمراض الخطيرة، مما دفع الدراسات الطبية الحديثة إلى الاهتمام بوضع حلول جذرية لها.
ولفت تقرير منظمة الصحة العالمية WHO الصادر عن مكتبها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط الانتباه إلى أن الأمراض غير المعدية، كارتفاع ضغط الدم وداء السكر وداء السمنة، تعتبر من أهم أسباب الوفيات في الوطن العربي. إذ ينجم عنها مليوني حالة وفاة سنويا. ولا يخفى على أحد أن من أهم العوامل المساهمة في هذه الأمراض سوء التغذية وقلة الحركة والتدخين، وكلها عوامل بإمكان الفرد أن يتحكم فيها أو يغيرها بأقل التكاليف وبمجهود قليل.
وإذا نظرنا إلى دول الوطن العربي لوجدنا أن المملكة العربية السعودية تفوق قريناتها في عدد البدناء، إذ يكلف البدناء المملكة أكثر من 500مليون ريال سنويا بسبب ترددهم على المستشفيات لعلاج أمراض سببها المباشر هو زيادة الوزن، كما نشر الخبير السعودي الدكتور فؤاد نيازي دراسة أوضح فيها أن معدلات السمنة في السعودية ارتفعت بنسبة 30% خلال السنوات العشر الأخيرة وقال أن 29% من الرجال يعانون من زيادة الوزن فيما تعاني 37% من النساء من السمنة ووصلت معدلات السمنة بين النساء إلى 24% مقابل 16% من الرجال، وأكد أن هذه النسب هي من أعلى المعدلات في العالم خاصة بين النساء.
كما أشارت نتائج العديد من الدراسات عن انتشار السمنة في بعض الدول العربية ، حيث يفوق معدل الكثير من الدول المتقدمة ( وهذا مؤشر على ارتفاع الأمراض المزمنة) كما ثبت ارتفاع نسبة السمنة لدى النساء مقارنه بالرجال . كما أوضحت هذه الدراسات أن أعلى نسبة للسمنة بين النساء في الوطن العربي سجلت في مصر ، حيث أن 62% من النساء في مصر مصابات بالسمنة ، كما ذكرت إحدى الدراسات ارتفاع نسبة السمنة لدى النساء المتزوجات ، حيث وصلت إلى نسبة 68% في البحرين.
كما أظهرت نتائج العديد من الدراسات التي أجريت على السمنة المفرطة عدة أعراض نفسية واجتماعية وانفعالية تتمثل في :
انخفاض في العلاقات الاجتماعية.
مشاعر الكبت والعدوان.
التعرض للإهانة والسخرية من الآخرين.
يوصف المصابون بالسمنة بخصائص سلبية مثل: كسول، قذر.
قد يرفض بعض أصحاب الأعمال متقدما لوظيفة نظرا لإصابته بالسمنة رغم مؤهلاته وذلك يرجع لأهمية المظهر في المتقدم للوظيفة حسب معتقد صاحب العمل.
إذاً .. لماذا لا نساعد أنفسنا وأبنائنا على زرع ثقافة الاقتصاد في الأكل ، وبأن الأكل غذاء وطاقة يحتاجها الجسم بكميات معتدلة متى ما تجاوزها الإنسان تتحول إلى مرض بل أمراض قد تتطلب عمليات تلو العمليات بل ربما إلى أضيق مكان ألا وهو القبر ؛ المسألة قضاء وقدر ، تتطلب فعل الأسباب .
أين نحن من فعل الأسباب؟
يقول الخبراء بأن الرياضة المعتدلة حتى لمدة عشر دقائق يوميا ولكن بانتظام يمكن أن تساعد على تخفيف الوزن. ومهما كان مستوى الممارسة فعلى الجميع ممارسة الرياضة بانتظام.
بل تعتبر الرياضة من الأسباب المسهلة للولادة بالنسبة للنساء؛ بل كثير من حالات عسر الولادة أو الإجهاض هي بسبب السمنة ، والحكم بيني وبينكم كتب النساء والولادة العربية وكذلك الغربية ؛ إذ كلها تشير إلى أن مسألة السمنة تشكل خطراً كبيراً على الولادة الطبيعية ، بل ربما تطر الطبيب إلى أجراء العملية الجراحية كحل أخير .. والسبب بلا شك السمنة .
إن البعد عن الأكلات ذات السعرات الحرارية العالية أيضاً من الأسباب المنجية من السمنة ؛ فالتردد على مطاعم الوجبات السريعة يشكل خطراً مستقبلياً على الشخص يبشر بدخوله عالم السمنة .
وقد أشارت أحدث الدراسات في بلادنا إلى أن الهمبرجر المسؤول الأكبر عن السمنة باعتبارها من الوجبات السريعة ، وكذلك حذر المختصون من محلات بيت الدونات فهي لا تجر إلا الويلات على أبنائنا بل للأسف أصبحت تباع منتجاتها الغنية بالسعرات الحرارية في مدارسنا وجامعاتنا فضلاً عن أسواقنا .. فهل من وقفة حاسمة لتمدد هذه الكروش؟.
قال الإمام العلامة ابن قدامة المقدسي في كتابه (مختصر منهاج القاصدين) ص 218( شهوة البطن من أعظم المهلكات وبها أخرج آدم عليه السلام من الجنة ومن شهوة البطن تحدث شهوة الفرج والرغبة في المال ويتبع ذلك آفات كثيرة كلها من بطر الشبع . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء".
وفي حديث آخر: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث طعام وثلث شراب وثلث لنفسه".
وقال عقبة الراسبي: دخلت على الحسن البصري وهو يتغدى, فقال:هلم فقلت: أكلت حتى لا أستطيع أن آكل, فقال: سبحان الله! أو يأكل المسلم حتى لا يستطيع أن يأكل؟!
ويقول الأستاذ: محمد الأمين: (وكان السلف يذمون السمنة ذماً شديداً. ويكفي السمنة ذماً ما روينا في الصحيحين وغيرهما من حديث عمران بن حصين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (قال الراوي: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا) ثم يأتي بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن». وقال ابن مسعود: «إني أمقت القارئ إن أراه سمينا نسيا للقرآن». وحتى عصر أتباع التابعين، لم يكن أحد من أهل العلم سميناً، رغم كثرة الأموال في ذلك العهد. لذلك يقول الشافعي بعد أن طاف في أكثر بلاد المسلمين: «ما رأيت سميناً عاقلاً إلا محمد بن الحسن». وقد يكون سبب سمن ابن الحسن مرضي، والله أعلم. وقال القحطاني الأندلسي في نونيته الشهيرة: لا تحشو بطنك بالطعام تسمنا *** فجسوم أهل العلم غير سمان. واستمر هذا حتى عصر متأخر، ذلك لأن السمنة مرتبطة بقلة الفهم. قال ابن حجر: «السَّمِين فِي الْغَالِب يَكُون قَلِيل الْفَهْم». وقال الحارث بن كلدة "طبيب العرب": (الحمية رأس الدواء, والبطنة رأس الداء).
أضيف قبل الختام : أن مسألة السمنة قد تضيف للمرأة الغير متزوجة مشكلة نفسية من خلال المقارنة بين حالها ورشاقة زميلاتها فتجرح نفسيتها، ومما قد يزيد الطين بلة هو عزوف الزواج عنها ربما إلى أن تصل إلى محطات العوانس وقد كان بالإمكان تفادي الأمر في مراحله المبتدئة.