قراءة في القرارات الاقتصادية لقمة مجلس التعاون
تميزت أعمال الدورة الـ 26 لقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية, التي عقدت في مدينة أبو ظبي في الإمارات بتحقيقها تقدما ملحوظا على صعيد التكامل الاقتصادي الخليجي. فقد سجلت قمة "فهد" نجاحا فيما يخص المواضيع الاقتصادية الرئيسية وهي أولا الاتحاد الجمركي وثانيا السوق الخليجية المشتركة وثالثا الاتحاد النقدي.
الاتحاد الجمركي
يمكن الادعاء أن أكبر الإنجازات الاقتصادية للقمة كان من نصيب مشروع الاتحاد الجمركي. فقد اعتمد المجلس الأعلى وثيقة "السياسة التجارية الموحدة" مع العالم الخارجي. المعروف أن مبدأ الاتحاد الجمركي يتركز على توحيد السياسات التجارية الخارجية مع الدول الأخرى أو غير الأعضاء في الاتحاد. يعود تاريخ دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي لحيز التنفيذ لعام 2003 . وحسب الخطة الأصلية كان من المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة مع نهاية عام 2005. بيد أنه قرر القادة تمديد العمل باتفاقية الاتحاد الجمركي حتى عام 2007.
يذكر أن المملكة العربية السعودية كانت قد أبدت امتعاضها من البحرين أثناء استضافتها القمة الـ 25 في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2004 على خلفية توقيعها اتفاقية إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وقد تمثل الاحتجاج السعودي في أن الاتفاقية الثنائية بين البحرين وأمريكا تتناقض وروح الاتحاد الجمركي, أي توحيد السياسة التجارية مع الدول الأخرى. في المقابل رأت البحرين في عدم تبني ميثاق السياسة التجارية الموحدة مخرجا لإبرام اتفاقية خاصة مع أمريكا.
وقد استندت البحرين في تبريرها خطوة إنشاء منطقة تجارة حرة مع دولة غير عضو إلى أحد بنود الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الموقعة في مسقط في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2001. تجيز المادة الحادية والثلاثون لأي من الدول الأعضاء إبرام اتفاقيات ثنائية خارج إطار المجلس بشرط عدم منح تلك الدول مزايا تفضيلية تفوق تلك الممنوحة لدول مجلس التعاون. اللافت أن البحرين وافقت على إلغاء التعرفة الجمركية على 96 في المائة من الواردات الأمريكية مقابل 100 في المائة ممنوحة للسلع ذات المنشأ الخليجي. على كل حال فقد جاء اعتماد القمة وثيقة "السياسة التجارية الموحدة" يسد فراغا حيويا في تشريعات اتفاقية الاتحاد الجمركي.
السوق المشتركة
أشاد البيان الختامي للقمة بالخطوات العملية التي تم وضعها حيز التنفيذ بهدف إقامة سوق خليجية مشتركة مع نهاية عام 2007. يتركز مفهوم السوق المشتركة على منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. الملاحظ أن بعض دول المجلس تقوم بتنفيذ تفاصيل هذا المشروع الطموح قبل غيرها. وقد أشاد المجلس الأعلى ببعض الخطوات التي اتخذت عام 2005 في مجال تملك الأسهم. يبقى أن بعض الدول الأعضاء ما زالت تضع قيودا فيما يخص السماح لمواطني المجلس بحرية شراء الأسهم وبيعها. على العموم يسجل لبعض الدول الأعضاء المضي قدما في تنفيذ تفاصيل متعلقة بمشروع السوق المشتركة وذلك قبل التاريخ المحدد. كما بارك القادة نجاح لجنة التعاون المالي والاقتصادي بإضافة ثلاثة أنشطة جديدة يسمح بموجبها لمواطني المجلس بممارستها في الدول الأعضاء. وهذه الأنشطة عبارة عن مكاتب التوظيف الأهلية وتأجير السيارات ومعظم الأنشطة الثقافية.
الاتحاد النقدي
أيضا أشار البيان الختامي إلى تنفيذ بعض التفاصيل المتعلقة بمشروع إقامة وحدة نقدية بين الدول الأعضاء. وقد خلا البيان من الإشارة إلى تاريخ محدد لتحقيق الاتحاد النقدي. لكن حسب الخطة المرسومة سلفا, من المنتظر تحقيق الاتحاد النقدي عام 2010. على العموم اعتمد المجلس الأعلى ما اتفقت عليه لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية من معايير مالية ونقدية. وفي هذا الخصوص وجه المجلس الأعلى اللجنتين المذكورتين باستكمال بحث كيفية حساب تلك المعايير والنسب المتعلقة بها لغرض رفعها للقمة المقبلة في المملكة العربية السعودية. بمعنى آخر لم يتم إحراز تقدم نوعي فيما يخص مسألة الاتحاد النقدي وهي الحلقة الأصعب في عملية التكامل الاقتصادي الخليجي.
باختصار نجحت قمة أبو ظبي في تحقيق تقدم يذكر على صعيد العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي. بيد أن هناك شبه إجماع على مستوى الشارع الخليجي في أن عملية التكامل الاقتصادي بين الدول الست تتم بصورة بطيئة. فبعد أكثر من ربع قرن التاريخ نجحت دول المجلس في إنشاء منطقة للتجارة الحرة للسلع ذات المنشأ الوطني. أما مشروع الاتحاد الجمركي لم ينفذ بشكل كامل, بل تم تبني سياسة تجارية موحدة أثناء القمة الأخيرة. ويلاحظ أن البيان الختامي أشار إلى انسياب تنقل المواطنين والسلع والخدمات ووسائط النقل مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على البيئة وحماية المستهلك. حقيقة يخشى أن يساء استغلال عبارة "المحافظة على البيئة وحماية المستهلك" واستخدامها ذريعة لمنع دخول بعض السلع الوطنية. وإذا كانت هناك أي عبرة من تأخير الانتهاء من مشروع الاتحاد الجمركي فإنه من غير المتوقع أن تنجح الدول الست في الانتهاء من التفاصيل الضرورية لتنفيذ مشروعي السوق المشتركة والاتحاد النقدي في تواريخ محددة.