متى نوقف استنزاف المياه؟

لقد طالبت اقتصاديات البحث العلمي بتخفيض المفقود من المياه المنزلية وتقليص الري الزراعي والإسراع في تأسيس المركز الوطني لمعلومات المياه كجهة حكومية مستقلة، حيث نصت الاستراتيجية المستقبلية لإدارة الموارد المائية على تحويل أزمة المياه في السعودية إلى عجلة دافعة للاقتصاد الوطني والتنمية الشاملة من خلال منهج الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية التي من أهدافها الاستراتيجية إدارة الموارد المائية واستمرار تأمين مياه الشرب بكميات كافية وبنوعية جيدة لجميع السكان وتوفير خدمات الصرف الصحي وهذا ما اقترحه الدكتور عادل بشناق "الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي في عام 2020" وذلك بزيادة موارد مياه الشرب المتاحة ما فوق 12 مليون متر مكعب في اليوم، ويتم توفير 50 في المائة منها من تحلية مياه البحر, تخفيض إجمالي الطلب على المياه بنسبة 2.5 في المائة سنويا، تخفيض استهلاك القطاع الزراعي من مخزون المياه غير المتجددة ليكون أقل من استهلاك القطاع المنزلي من هذا المخزون. ووفقا لذلك فإن على وزارة المياه أن تهتم بالتخطيط والتنسيق لقطاع المياه على المستوى المحلي والإقليمي والوطني، كما أنه اقترح ضرورة التوازن المائي القابل للاستدامة قبل حلول عام 2020 من خلال زيادة كفاءة استخدام المياه وتخفيض إجمالي الطلب على المياه بمعدل لا يقل عن 2.5 في المائة سنوياً وتخفيض الاستهلاك الزراعي بمعدل 5 في المائة سنوياً مع العمل على تخفيض الاستهلاك المنزلي بمعدل 2 في المائة من خلال تقليص نسبة الفاقد في شبكات التوزيع والمنازل لتكون أقل من 5 في المائة عام 2020، فإذا ما طبقنا تلك المعدلات الاستهلاكية السابقة فإنها ستسهم في المحافظة على مخزون المياه الجوفية غير المتجددة لفترات طويلة، وإذا ما كان الهدف هو تكوين مخزون وطني استراتيجي لضمان الأمن المائي والأمن الغذائي في حالات الطوارئ من خلال إدارة قادرة على إقناع القطاع الزراعي ألا يتجاوز نسبة الكمية الاستهلاكية المحددة له من ذلك المخزون على حساب القطاع المنزلي.
كما أكدت الدراسة التي قدمها الدكتور محمد القنيبط رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى حول الواقع المائي في المملكة نشرها في "ميدل إيست أونلاين, 18/6/2002" أن السعودية تعاني من عجز مائي كبير بلغ 11.77 مليون متر مكعب تقريبا، حيث يتم تغطيته من مخزون المياه الجوفية غير المتجددة التي توجد في مناطق عميقة، بينما ذكرت دراسات أخرى أن ذلك العجز المائي قد تجاوز 13.56 مليون متر مكعب سنويا، فإنه ليس من المدهش أن يضع تقرير الأمم المتحدة "الشرق الأوسط" السعودية في صف الدول التي تقع في دائرة الأزمة المائية، حيث بلغ متوسط حصة الفرد فيها من المياه 118 مترا مكعبا سنويا. وهذا أيضا ما أشار إليه وزير المياه والكهرباء في نيسان (أبريل) 2005 أن شح المياه في السعودية قد وضعها في الفئة الأولى بين دول العالم الأكثر شحاً، حيث صُنفت دول العالم إلى أربع فئات حسب إمكانياتها المائية، من الأكثر شحاً في الفئة الأولى إلى الأكثر وفرة في الفئة الرابعة.
وأشار أيضا إلى أن إجمالي كمية المياه المتاحة للشرب من كافة الموارد المائية في المملكة بلغ ستة ملايين متر مكعب يومياً، فيما تشير بعض الدراسات إلى أن معدل استهلاك الفرد في المملكة قد تجاوز 286 لتراً في اليوم، لتحتل المملكة المرتبة الثالثة عالمياً في استهلاك المياه بعد الولايات المتحدة، وكندا.
إن تلك النسبة تشير بحسب الدراسات الأولية إلى عجز مائي قدره 1.5 مليون متر مكعب يوميا، علما أن المقياس العالمي لنصيب الفرد من المياه حدد نصيب الفرد السنوي من استخدام المياه أو كما يسمى مؤشر الحاجز بين 1000 و1700 متر مكعب للشخص الواحد وهذا ما يدل على وجود أزمة إذا ما كان نصيب الفرد أقل عن ألف متر مكعب، كما أنه يدل على ندرة المياه كلما انخفض نصيب الفرد عن 500 متر مكعب، ويعني ذلك ندرة مطلقة في المياه كما هو الحال في السعودية. وإذا ما دققنا النظر في حديث الدكتور عادل بشناق رئيس منتدى جدة العالمي للمياه والطاقة 2005 أن إحصاءات خطة التنمية السابعة أوضحت أن نصيب استهلاك الفرد من مياه الشرب في المملكة زاد من 120 لترا يومياً عام 1980 إلى 315 لترا يومياً عام 1999 مع أن بعض المصادر تقول إن نصيب الفرد قد ارتفع إلى 375 لترا يومياً عام 2004 وإن متوسط النمو السنوي في القطاع المنزلي بلغت نسبته 2.8 في المائة وهذا مؤشر خطير يدل على سرعة تنامي معدل الاستهلاك على مستوى الأفراد، فما بالك على المستوى الزراعي.
ثم ذكر الخبير المائي الدكتور عادل بشناق في منتدى جدة العالمي للمياه والطاقة 2005 أن مصادر وزارة المياه أوضحت أن حجم المياه السطحية والجوفية المتجددة بالأمطار يبلغ نحو ثمانية آلاف مليون متر مكعب ماء في السنة، علماً أن معدل المياه المتجددة التي تتم الاستفادة منها حالياً نحو ملياري متر مكعب سنوياً.
وبما أننا نتفق مع غالبية تلك الدراسات مهما تفاوتت الأرقام على أن بعض المنتجات الزراعية مثل القمح والتمور والأعلاف تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتتسبب في استنزاف مصادر المياه في السعودية فإن الموضوع يتطلب من الباحثين والمختصين البحث عن وسائل ناجحة لوقف هذا الهدر، فقد أثار الباحث محمد حبيب البخاري في الإنتاج الزراعي والحيواني في "الشرق الأوسط 12 -11/2005" قرب وقوع خطر استنزاف المياه نتيجة الممارسات الزراعية الخاطئة وعدم وجود القوانين التي ترغم المزارعين على تقليصهم استهلاك المياه ووقف استنزافهم لها. يقول بدأ استنزاف المياه عام 1981 عندما انتشرت زراعة القمح على نطاق واسع بواسطة الشركات الزراعية والمزارعين وتم استنزاف المياه الجوفية المتوافرة وحفر آبار جديدة وتركيب المضخات ذات الحجم الكبير وأجهزة الرش المحوري بشكل عشوائي ودون دراسات علمية لعمليات الري تبعا للاحتياجات المائية، ثم عقب ذلك انتشار زراعة الأعلاف عام 1986 لتسرع من استنزاف مصادر المياه المتبقية.

** كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي