مع وقف نزف الأسهم لكن ضد تجميد السيولة في السوق

مع وقف نزف الأسهم لكن ضد تجميد السيولة في السوق

<a href="mailto:[email protected]">[email protected]</a> تعقيبا على المقال المنشور في "الاقتصادية" في يوم الخميس 29 ربيع الأول 1427 هـ الموافق 27/04/2006 م في العدد 4581 بعنوان " الأسهم السعودية.. حتى لا يطول النزيف" للكاتب محمد عبد الله القطري، أود أن ألفت الانتباه إلى أنه على الرغم من أهمية العديد من المقترحات التي أشار إليها المقال - الذي أعده من المقالات القليلة التي اتسمت بالعمق التحليلي-، وبالرغم من أن تنفيذ بعضها قد يقود بالفعل إلى إيقاف نزيف الأسهم، إلا أنها في الوقت ذاته يمكن أن تؤدي إلى إثارة مخاوف كبيرة من تجمد السيولة في السوق. فمن المعروف أن تشخيص المرض هو نصف العلاج، إلا أن الخطأ أو القصور أو التركيز بشكل حاد على علاج ظواهر معينة للحالة المرضية، قد يؤدي في حد ذاته إلى ظهور أمراض أخرى ربما تكون أكثر حدة وشراسة من المرض الرئيسي. فعلى سبيل المثال كلنا نعرف مدى قدر وأهمية المضادات الحيوية في علاج آلاف الأمراض، إلا أن حجم وتعدد وأوقات وفترة تناول جرعات تلك المضادات إن لم يتم تحديدها بدقة في الغالب ما تتسبب في ظهور أعراض لأمراض جديدة لم تكن في الحسبان. وعليه، فإني ألفت الانتباه إلى أن بعض المقترحات التي استعرضها المقال قد توقف نزيف الخسائر بالفعل، ولكنها ربما تقود في وقت لاحق إلى نزيف أكثر حدة عندما تتجمد السيولة في جسم السوق. إن حجم ومرونة تحركات السيولة في سوق الأسهم يعدان بمثابة الدم في جسم الإنسان، إن شابها أي عائق تسببت في ظهور أعراض مرضية مختلفة. بل إن تقييد حركة أي عضو في الجسم لفترة قد لا تزيد على بضع دقائق قد يتسبب في تجمد سيولة الدم، بما يتسبب في فقدان هذا العضو للقدرة على الحركة وربما بشكل كامل. وأود أن أشير إلى حالة استنفارية شديدة لدى الكاتب هي التي خلقت مقترحات يعتبر بعضها أقوى من المضادات الحيوية التي تبلغ قوتها 1000 مجم. إلا أن تلك الحالة ينبغي ألا تأخذنا في طريق مسدود في النهاية. فهناك شعرة دقيقة بين نزيف الدم وبين تجلط سيولة الدم. نحن نرغب في علاج الجرح من خلال إيقاف النزيف ومنع تجمد السيولة في الداخل. ونتعرض فيما يلي لبعض المقترحات الني نرى أن الأخذ بها قد يتسبب في مشاكل مستقبلية ربما تفوق حدود الأزمة الحالية: أولا: اقتراح رقم مستثمر واحد ومميز لكل شخصية اعتبارية أو طبيعية تقوم بتداول الأسهم: في اعتقادي أن هذا الاقتراح سيقود لزيادة حجم الفجوة ما بين كبار المستثمرين وبين هيئة السوق المالية، تلك الفجوة الكبيرة أساسا في الوقت الحالي، والتي تعد أحد أبرز أسباب النزيف الحادث. بل إنها من ناحية أخرى قد تعزز من الرقابة غير المرغوبة على عمليات التداول، التي قد تشعر كل متداول من كبار المستثمرين بأنه مراقب وتحركاته مرصوده. الأمر الذي من المتوقع أن يصيب الكثير منهم بحالة من العزوف عن الاستثمار في السوق، وكلنا يدرك الآن مدى أهمية هؤلاء المستثمرين للسوق. بل إن تنفيذ الاقتراح في حد ذاته قد لا يكون ذا جدوى من ناحية أخرى، حيث يمكن لكل مستثمر – إن سعى للتلاعب - أن يفتح عشرات المحافظ بأسماء آخرين، قد يكونون من موظفي شركاته أو أقاربه أو حتى من أجانب مأجورين أو غيره، ولا أحد أو من الصعب منعه من ذلك. بالتالي، فحصيلة الاقتراح إما مزيد من العداء بين الهيئة وكبار المتداولين، وهو ما لا يصب في مصلحة استقرار السوق، وإما في مزيد من خروج كبار المتداولين وعزوفهم عن الاستثمار في السوق، وهو أمر يشكل خطورة كبيرة على استقرار السوق أيضا. ثانيا : استبدال نظام التسوية الحالي : اقترح الكاتب استبدال نظام التسوية الحالي بنظام جديد مقتضاه إبطاء حركة تداولات كبار المستثمرين في السوق. إلا أن هذا النظام يمكن أن تكون له آثار سلبية واسعة على تعطيل أو إبطاء حركة السيولة ككل. ولنتعامل بصراحة مع واقع السوق السعودية، فحركة التداول تقوم أساسا على تعاملات المحافظ الاستثمارية الكبيرة، ورغم ما قد تسببه هذه الحركة السريعة لتداولات كبار المضاربين من آثار مضرة لاستقرار السوق، وبخاصة مع ترسيخ سلوك القطيع، إلا أن تعطيل أو إبطاء هذه التداولات في حد ذاته قد يشكل خطورة أكبر، من حيث تجمد السيولة، ومن ثم انخفاض حجم القيمة المتداولة، التي تترك انطباعات سلبية لدى حتى صغار المستثمرين في السوق. الأمر الذي يصب في النهاية في خلق أثر سلبي ربما بشكل كبير على تجمد السيولة في السوق. ثالثا: اقتراح البدء بتنفيذ أدوات استثمارية جديدة مثل بيع السهم على الهامش: في اعتقادي أن السوق، بل والفروقات الكبيرة بين المستثمرين من حيث حجم رؤوس الأموال ومستوى المهارة والحرفية وغيرها قد تقود مع تنفيذ هذه الأدوات الجديدة إلى مشكلات أكبر من المنافع المحتملة عنها. فسوق الأسهم المحلية تتطلب العديد من الإجراءات والنظم التي ينبغي ترسيخها قبل التفكير في بدء مثل هذه الأدوات الاستثمارية. رابعا : اقتراح منع الاطلاع على الأسعار والكميات قبل الافتتاح : رغم أننا جميعا ندرك مدى تأثير هذه التلاعبات أو العمليات الوهمية سواء بالنسبة للأسعار أو الكميات وبخاصة قبل افتتاح السوق مباشرة، ومدى الآثار الناجمة عنها على سلوك المستثمرين - بخاصة صغارهم-، إلا أن اقتراح منع الاطلاع على الأسعار والكميات قبل الافتتاح استشهادا بحالة قطر يصب في تقييد حركة التداول في السوق، والتي لن ينجم عنها سوى مزيد من هروب المحافظ الكبيرة. إن السوق رغم حاجتها الماسة إلى مزيد من الإجراءات والنظم التي تعزز انتظامها وحسن أدائها، إلا أنها ينبغي ألا تؤدي إلى تقييدها. فتقييد السوق سيخلق مشكلات أكبر ربما من التي تصيبها حاليا، وبخاصة مع الآثار السلبية التي يمكن أن تتسبب فيها هذه القيود على الاستثمارات المحلية، وحتى الأجنبية. فالمطلوب الرقابة الدقيقة لمنع العمليات الوهمية وليس التضييق غير المرغوب. كيف.. هذا هو المطلوب دراسته والتفكير فيه!! خامسا : اقتراح تحديث الأسعار والكميات التاريخية للأسهم : هذا أمر يتفق عليه الجميع، وبخاصة في ظل رصد حالات خطأ في التقارير الأسبوعية التي صدرت عن شركة تداول خلال أسابيع تجزئة الأسهم، نجمت هذه الأخطاء عن حساب معدلات التغير الأسبوعية في أسعار الأسهم دون معالجتها فنيا قبل وبعد التجزئة. سادسا: اقتراح جعل حدود عليا للبنوك في إعطاء القروض المصرفية بضمان الأسهم: برز من تحليل الكاتب كما لو كانت البنوك قد تضررت من تقديم القروض المصرفية، على الرغم من أنه بات غير خاف على أحد مدى الضرر الذي تسببت فيه هذه القروض ليس للمستثمرين فقط، ولكن لسوق الأسهم ككل. فالتسهيلات البنكية الواسعة التي قدمتها معظم البنوك منذ عام 2004 تحديدا، دفعت الكثير من صغار المستثمرين الذين لا يمتلكون الخبرة الكافة بتداول الأسهم إلى الاستثمار في السوق، الأمر الذي نجمت عنه خسائر فادحة لهم. بمعنى أنها خلقت سيولة هائلة لا تمتلك الوعي الكافي. بل يشاع أن بعض هذه البنوك قد قامت ببيع أو تصفية الأسهم المرهونة لتحصيل مديونياتها على هؤلاء المستثمرين، مما تسبب في خسائر فادحة لهم. سابعا : اقتراح التداول بأجزاء عشرية بدلا من ربع الريال : هذا الاقتراح يمكن أن يكون أكثر إرهاقا لصغار المستثمرين، وأكثر فائدة لكبار المتداولين. في النهاية أؤكد أنه على الرغم من أهمية هذه الأفكار والمقترحات التي وردت في المقال المعني، إلا إنها تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتمحيص حتى لا تقود إلى إيقاف النزيف بتجميد السيولة في السوق.
إنشرها

أضف تعليق