«تنظيم»: تغير الاسم لا يبرر مخالفة النظام الأساسي للحكم

في الأسبوع الماضي استفسرت عن موقع ما يسمى التنظيمات من الإعراب في البيئة التشريعية، عبر استطلاع نظام مجلس الوزراء وقراءة المواد المتعلقة بالشؤون التشريعية والشؤون التنفيذية. بعد عدة تعليقات مع مختصين، موافقين ومعارضين لفكرة المقالة- ومن بينهم طالب متميز أغبط نفسي على تدريسه وأمثاله - أستطرد اليوم معكم في فكرة التنظيمات في ضوء النظام الأساسي للحكم لبحث هل يمكن مواءمة «تنظيمات» وفقا لهذا النظام الذي يعد الوثيقة التنظيمية الأعلى والمهيمنة على سائر الأدوات التنظيمية في البلد؟
المادة 56 من النظام الأساسي للحكم- المعنية بمجلس الوزراء - تنص على أن «الملك هو رئيس مجلس الوزراء ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء وذلك وفقاً لأحكام هذا النظام وغيره من الأنظمة ويبين نظام مجلس الوزراء صلاحيات المجلس فيما يتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية وتنظيم الأجهزة الحكومية والتنسيق بينها, كما يبين الشروط اللازم توافرها في الوزراء وصلاحياتهم وأسلوب مساءلتهم وشؤونهم كافة.. ويعدل نظام مجلس الوزراء واختصاصاته وفقاً لهذا النظام». بكل صراحة، نص النظام الأساسي للحكم على «تعديل» نظام مجلس الوزراء ليتماشى مع النظام الأساسي للحكم الذي يقرر في المادة 44 أن سلطات الدولة هي ثلاث، قضائية وتنفيذية وتنظيمية، ويتضح من سياق وتسلسل المواد ومن نصوصها أن السلطة التنظيمية إن لم تكن اختصاصا حصريا لمجلس الشورى، فعلى أضعف الإيمان هي سلطة مقسومة بينه وبين مجلس الوزراء، كما تنص المادة 67 من النظام الأساسي للحكم على أن «تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شؤون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية .. وتمارس اختصاصاتها وفقاً لهذا النظام ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى».
إذا، تحقيق المصلحة ودفع المفسدة يفترض أن يتم عبر إصدار الأنظمة واللوائح وهو اختصاص السلطة التنظيمية ـ أي مجلس الشورى أصيل (مع مجلس الوزراء على قول مرجوح في تقديري) بدلالة تسلسل مواد النظام الأساسي للحكم، بمعنى أن الشؤون التنظيمية، وهذا ما تقتضيه عبارة «السلطة التنظيمية», يجب أن يتم وفقا للأنظمة المذكورة في صلب تلك المادة. وهذا ما أكدته المادة 82 التي تقرر أنه «مع عدم الإخلال بما ورد في المادة السابعة من هذا النظام - وهي حاكمية الشريعة الإسلامية ـ لا يجوز بأي حال من الأحوال تعطيل حكم من أحكام هذا النظام إلا أن يكون ذلك مؤقتاً في زمن الحرب أو في أثناء إعلان حالة الطوارئ ..».
وبما أن «التنظيمات» - حقيقة - هي كائنات تنظيمية القصد منها تحقيق مصلحة - التي في غالب التنظيمات التي خرجت نظمت مراكز قانونية يثمر عنها ترتيب حقوق وإنشاء التزامات (بل تمنح حق فرض رسوم مالية وتخول إصدار تراخيص استثمارية أو وفقا لتصريح أحد المسؤولين» تقديم التسهيلات كافة للمستثمرين»)، وبالتالي تؤثر في مراكز الأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي أداوت تنظيمية بكل وضوح، بدلالة أن بعضها تم عرضه ابتداء على مجلس الشورى كمشروع نظام، وأصبح المجلس وأمسى في مراجعتها ثم استلت من بين جدرانه لتصدر لاحقا بصيغة تنظيمات حين تعثر مرورها بالصيغة التي تريدها الجهة الحكومية المعنية. أي لم يتم اللجوء إلى صيغة «تنظيم» إلا بعد تعثر المرور من داخل مجلس الشورى. وهذا استلاب لصلاحيات وسلطات السلطة التنظيمية المقررة لها وفقا للنظام الأساسي للحكم. ولو كان ذلك يحدث لمعالجة أمر طارئ أو ضرورة لا تقبل التأني لربما كان هناك متسع لفهم تلك الآلية، أما الاتكاء على استيراد بعض الأنماط التشريعية التي تخول إصدار أنظمة دون مرور بالسلطة التنظيمية وذلك عبر إلباسها ثياب «تنظيمات» بأي حجة ـ مثل حجة أحد طلابي المتميزين, وهي أن التنظيمات في حكم اللوائح المستقلة ـ فهو أمر خطره أن مآله تفريغ السلطة التنظيمية من دورها الرئيس تماما، عبر إلباس ثوب التنظيمات للشؤون المشتهاة، ما يجعل وجود السلطة التنظيمية مجرد ديكور هامشي، مع أن دورها رئيس في مسألة «التوازن» المطلوب بين السلطات الحكومية، وهي قيمة دستورية أعلى من أي شأن آخر.!
إن الأصل المقرر بموجب النظام الأساسي للحكم الذي يجب التشبث به هو ضرورة تداخل السلطة التنظيمية في كل الأنظمة وما يدور في فلكها، وإن حدث استثناء فليكن في إطار ضيق بمدة زمنية محدودة لإجراءات طارئة، لا أن يكون الاستثناء هو القاعدة لكل أمر لا يمر أو نخشى ألا يمر عبر مجلس الشورى. ومن المجازفة أن يصبح مجلس الشورى محطة فقط لدراسة حليب الأم، واتفاقية تعاون بيئي مع جمهورية من دون اسم، وتبقى الشؤون التنظيمية التي تؤثر في اقتصاديات وسياسات البلد رهينة حصرية لرؤية السلطة التنفيذية التي قد لا تأخذ في الحسبان عناصر جديرة بالاهتمام. معالجة التعقيدات الإجرائية لا يكون بتهميشها بل بتعديلها، فالثمن على المدى البعيد سواء في اختلال البيئة التظيمية أو في ارتباك المراكز القانونية المتخلقة من رحم تلك التنظيمات قد يكون باهظا، ولو كانت هناك معايير توضح متى يمكن إصدار «تنظيم» بدلا من ترك الحبل على الغارب لكان للتنظيم وزن في البيئة التشريعية بدلا من ضبابية التكييف وخطورة الآثار المستقبلية.. ثقوا أنه على المدى البعيد أن مواليد الإجراءات التنظيمية ـ وإن كانت معقدة - ستكون أشد عوداً وأكثر نفعاً من استعجال ميلاد أطفال خدج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي