مدارسة خطاب الملك .. من ليل الفرقة إلى صبح الوفاق
ألقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، الأحد الماضي، خطابه السنوي الضافي في مجلس الشورى بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة الخامسة لمجلس الشورى وذلك في مقر المجلس في الرياض. خطاب من الأهمية بمكان مدارسته لرحلة آمال وطموحات المنظومة السعودية.
استهل، حفظه الله، خطابه، بالتأكيد على ثوابت الحكم بشرع الله ورفع راية التوحيد وتمسك الدولة بالنهج الإسلامي الثابت الذي يتوارثه خلفا عن سلف، ''دولة قامت على إعلاء كلمة التوحيد التي رفع لواءها الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه''. أعقب ذلك، حفظه الله، التأكيد على أن وقود رحلة الآمال والطموحات التي تسير عليها منظومة المملكة العربية السعودية يأتي من المشكاة ذاتها الخاصة بثوابت الحكم بشرع الله ورفع راية التوحيد والتمسك بالنهج الإسلامي الثابت، ''إن الآمال والطموحات لا تحقق المنجزات إلا بالتوكل على الله ـ جل جلاله ـ ثم بعزائم أبناء هذا الوطن''.
إن رحلة الآمال والطموحات هذه هي في جوهرها رحلة شاقة لا تتوقف ببلوغ جزء من الآفاق، ''إن ما تحقق من إنجازات لا تُلبي طموحاتنا جميعاً، التي نسعى إليها لتكون بلادنا في مصاف الدول المتقدمة''. ورحلة الآمال والطموحات هذه هي رحلة ترتكز على العنصر البشري في المقام الأول. عنصر بشري يتحلى بسمتين رئيستين. السمة الأولى الولاء، ''معيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس''. والسمة الأخرى التقوى، ''أن يتقوا الله في أقوالهم وأعمالهم، وأن يتصدوا لمسؤولياتهم بوعي وإدراك، وألا يكونوا عبئاً على دينهم ووطنهم وأهلهم''.
تحتوي رحلة الآمال والطموحات في مجملها على عشرة محاور رئيسة تعمل مع بعضها بشكل متناغم بما تقتضيه المتطلبات بهدف الوصول إلى أفق الرحلة. يمكن استنباط عشرة محاور من خطاب خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، في بلوغ آفق رحلة الآمال والطموحات من خلال قراءة الخطاب قراءة تسلسلية.
الأول: المحور الأمني وما يحتويه من سياسات وإجراءات كفيلة، بعون الله تعالى، بحفظ الأجواء من المنغصات الأمنية المختلفة، ''واصلت الحكومة جهودها لترسيخ الأمن''. و''سيتواصل العمل الأمني - بإذن الله - لإفشال كل المخططات الإرهابية واستئصال شأفة الفئة المنحرفة، وتجفيف منابع الإرهاب''.
الثاني: المحور العسكري، وما يحتويه من سياسات وإجراءات حماية مختلفة، ''آلمنا ما تعرضت له المملكة من اعتداء على حدودها الجنوبية من بعض المتسللين المعتدين''. و''وقفت المملكة، بتوفيق الله، بصلابة في وجه هذا العدوان المشين، وتمكنت بحمد الله من صد المعتدين ودحرهم وتأمين الحدود وتطهيرها''. ''تجدر الإشادة ببسالة أبنائنا أفراد القوات المسلحة وجميع أبنائنا أفراد القطاعات العسكرية الأخرى المشاركة في دحر هذا العدوان، وندعو الله بالرحمة والمغفرة للشهداء، وبالصحة والعافية للمصابين والجرحى''.
الثالث: المحور الديني، وما يحتويه من ثوابت المملكة منذ القدم، ''واصلنا السعي في تبني مشروع خطاب إسلامي يقوم على الحوار والتسامح وتقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم ونبذ مظاهر الخلاف والعداء والكراهية بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة''. ''نحن عاقدون العزم على الاستمرار في هذه الجهود''.
الرابع: المحور التعليمي، وما يحتويه من برامج وتطورات كفيلة، بعون الله، بزيادة النور على حساب الظلام، ''إن التعليم من أهم الواجبات التي اضطلعت بها هذه البلاد منذ عهد التأسيس إلى يومنا هذا''.
الخامس: المحور التشريعي، وما يحتويه من سياسات وإجراءات هادفة إلى تحقيق مبدأ العدل بين كل مقومات المنظومة السعودية، ''تم بحمد الله تطوير مرفق القضاء''.
السادس: المحور التنموي وما يحتويه من طموحات في سبيل تلبية احتياجات العنصر البشري والوطني إلى العيش الرغيد، ''أكدنا مراراً أهمية دعم البرامج الحكومية المتعلقة برفاهية المواطنين وتطويرها وتيسير سبل العيش الكريم لهم''. كما ''تمكنت المملكة ـ ولله الحمد ـ من مواصلة تنميتها الاقتصادية بخطى ثابتة''. وذلك من خلال ميزانية الخير، ''تمثل استمراراً لنهج دولتكم في إطار الأولوية للتنمية البشرية والرفع من كفاءتها''.
السابع: المحور الاقتصادي، وما يحتويه من سياسات وإجراءات تركز على ضبط التناعم بين العوائد والتكاليف، ''إن الأزمة المالية التي ألمت بالاقتصاد العالمي قد ألقت بظلالها على جميع اقتصاديات العالم''. ''استمرت المملكة في نهجها المعتدل تجاه الوضع البترولي العالمي''. و''سعت في أعقاب الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية إلى الحد من تداعيات تلك الأزمة على استقرار أسواق البترول ومصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء''.
الثامن: المحور الترابطي وما يحتويه من إطار عام يحكم العلاقة وإخواننا العرب والمسلمين، ''إننا جمعاً حريصون كل الحرص على تثمين الروابط التي تربطنا بمحيطنا العربي والإسلامي, وهي روابط الدين واللغة والعرق والجوار والتاريخ والمصير والقضايا والمصالح والأهداف المشتركة''. و''هذا واجبنا تجاه إخواننا العرب والمسلمين في كل زمان ومكان''.التاسع: المحور التواصلي وما يحتويه من إطار عام يحكم العلاقة بين بقية أصدقائنا، ''إن حكومة المملكة العربية السعودية حريصة دائماً على استمرار علاقاتها مع الدول المعتدلة كافة وترسيخها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة وتعزيز قيم التعاون في الميادين كافة''. ''موقفنا واضح وقائم على الصداقة، وتعزيز مفاهيم السلام بين الشعوب والأمم''.
العاشر: المحور الإنساني وما يحتويه من إطار عام يحكم مسؤوليتنا الاجتماعية ضمن المنظومة العالمية، ''المملكة ماضية بمشيئة الله في نهجها المتسم بتقديم المساعدات الإنسانية ونصرة القضايا العادلة وتوسعة دائرة المساعدات لتشمل بلداناً كثيرة ومنظمات إنسانية وصناديق دولية متعددة''.
اختتم، حفظه الله، خطابه بالتأكيد على دور مجلس الشورى ضمن المنظومة السعودية منذ نشأتها. ''حرصت حكومة المملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبد العزيز، رحمه الله، على إنشاء مجلس الشورى, حيث يجري تحت قبته الحوار والنقاش بشأن القضايا التي تعنى بالوطن والمواطن''. وأخيراً، ''لا يفوتني أن أشيد بجهود أعضاء المجلس وجميع منسوبيه وأن أذكرهم بأهمية دورهم في صناعة القرار الحكيم المبني على الدراسة المستفيضة التي يعضدها التخصص العلمي والخبرة العملية''.
خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله،الأحد الماضي، خطاب من الأهمية بمكان مدارسته كونه سيتبلور، بعون الله، من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية، والتنظيمية في الدولة إلى رؤية تاريخية تنطلق منها، بعون الله، استراتيجية وأهداف وخطط أعمال الدولة والأجهزة الحكومية والمؤسسات العامة وقطاعات المجتمع كافة.