اللغة العربية جزء أساسي من تكوين الثقافة السنغالية.. والاستعمار فشل في تحييدها

اللغة العربية جزء أساسي من تكوين الثقافة السنغالية.. والاستعمار فشل في تحييدها

بلغة فصيحة لا تحتاج إلى ترجمة من الفرنسية، أكد أدباء وباحثون سنغاليون عمق العلاقة بين التكوين الثقافي في بلادهم واللغة العربية التي انتشرت نتيجة لدخول الإسلام، ورغبة الناس في تعلم القرآن وحفظه، كما تحدثوا عن دور ما عرف بالأدب السنغالي العربي وأبرز الأسماء التي عرفت فيه، مشيرين إلى كثير من جوانب الإرث الحضاري المتمثل في المخطوطات والكتب والذي يعكس شيئا من المنتج الفكري والعلمي للعرب والمسلمين وتأثيرهم في منطقة الغرب الإفريقي في مراحل تاريخية مبكرة من تكوين الثقافة المعاصرة في السنغال ومنها إلى دول أخرى.
جاء ذلك في محاضرة «الأدب العربي في السنغال»، التي تحدث فيها كل من محمدو نجاي وخديم سعيد امباكي وأدارها الدكتور محمد الدبيسي بحضور عدد من ضيوف المعرض والأدباء والمثقفين.
المحاضر الأول تحدث عن المنطلق الديني بوصفه العنصر الرئيسي لنشأة الاهتمام باللغة العربية في المجتمع السنغالي، وذلك من خلال مدارس تحفيظ القرآن التي تبنت هذا التوجه كمشروع فكري واجتماعي، الأمر الذي أدى لردة فعل معاكسة من قبل الاستعمار الفرنسي الذي عمل كل ما في وسعه لمقاومة المد الثقافي للغة العربية في السنغال، لدرجة أن فرنسا قدمت مساعدات مالية تصل إلى 300 فرنك لكل معلم تحفيظ قرآن يدخل اللغة الفرنسية ضمن مناهجه.
وقال محمدو نجاي إن السنغال نجحت في الحفاظ على اهتمامها اللغوي العربي المرتبط بالعمق الديني رغم كل المحاولات المعادية واختلاف أساليبها، وقد تمثل حرص البلاد على توجهها في إرسال عدد من أبنائها للدول العربية والإسلامية بغرض التعلم والتكيف مع واقعها، حتى يتمكنوا من إعادة تشكيل هذا الواقع لديهم، مضيفا أن كثيرا من السنغاليين قد درسوا مباحث عربية بحتة كالبلاغة والشعر الجاهلي مع إيمانهم بأن أغراض الشعر قد تطورت بما يلائم الواقع الاجتماعي والعصر، الفكرة التي أسهمت في التأسيس لتجربة الشعر السنغالي العربي، الذي كان غرضه الأساسي مدح الرسول عليه الصلاة والسلام بجانب تناوله أغراضا أخرى ذات صلة بالدين الإسلامي.
من جانبه، ركز خديم امباكي على الجوانب التراثية والتاريخية والأدبية من خلال ورقته التي عكست اختصاصه بمجال المخطوطات والآثار، حيث يروي قصة مصادفته خلال إحدى الزيارات الداخلية لتفسير كامل مخطوط للقرآن الكريم لدى أحد سكان المدينة، كما تحدث عن مخطوطة معنونة بـ «زهور البساتين في أخبار السوادين» وهو العمل الموسوعي الذي يؤرخ للقرون الثلاثة الأخيرة في منطقة الغرب الإفريقي.
وأشار المحاضر في هذا السياق إلى أن هذا الأثر لا يمثل إلا جزءا يسيرا من مجموعة من المخطوطات ذات القيمة العالية والحالة السيئة في أغلب ما هو موجود على المستوى الإفريقي، داعيا إلى توفير بيئة متخصصة للحفاظ عليها وحمايتها، من أجل حفظ تراث الأمة ورصد تحولاتها ومراحلها التاريخية وصيانة هويتها بغض النظر عن محتوى تلك المخطوطات، موضحا أن الاستعمار قد عمل على رعاية تلك الآثار وإن كانت أسباب هذه الرعاية تتجاوز الديني إلى ما هو ثقافي وسياسي، مشيراُ إلى افتتاح»المعهد الدولي لإفريقيا السوداء» الذي أسس عام 1937 لأهداف مشابهة.
وإن كان المحاضر الثاني قد حدد عدد المخطوطات بـ 1496 مخطوطا، فهو مازال يعتقد أنها بحالة رثة تمثل خطرا عليها، وطالب بأي جهة ترغب في التعاون بشأن حماية هذه الملامح الثقافية والتوثيقية المهمة، ولاسيما أن السنغال قد ورثت - بحسب امباكي- كل الإرث الحضاري لما يسمى إفريقيا الغربية الفرنسية.
ولفت أمباكي إلى الاستغراب الذي يشعر به المثقف السنغالي تجاه قلة زوار الشرق الإسلامي للمتاحف والآثار، بالمقارنة بالزوار الغربيين الذين يأتون بعدد كبير للتعرف على المخطوطات والتراث الإفريقي. وفي محور آخر يتناول المحاضر دور السنغاليين في نشر الإسلام في النطاق الجغرافي القريب منهم من خلال انصهارهم مع مجتمعات أخرى وتكيفهم معها، الأمر الذي أدى في مرحلة لاحقة لوجود عدد من الجاليات الإفريقية من مواطني دول المغرب العربي والذين تعود أصولهم للسنغال. وقبل أن يختتم خديم مشاركته في الندوة ألقى أبيااتا من قصيدة تمتزج فيها اللغة العربية الفصحى بالمفردات الإفريقية الشعبية، وطالب بترجمة كتاب الأدب السنغالي العربي وإيصاله للجامعات والمؤسسات الثقافية السعودية.

الأكثر قراءة