بعد تجربة هبوط الأسهم هل نراجع أنفسنا؟

بعد تجربة هبوط الأسهم هل نراجع أنفسنا؟

شاهدنا وعشنا جميعا حركة التصحيح (الهبوط) الحادة التي شهدتها سوق الأسهم والتي بدأت في أواخر شهر المحرم من العام الحالي ولم يتعاف السوق منها بالكامل إلى الآن رغم القرارات الحكومية التي تحاول وقف التراجع والعودة بالسوق إلى المستويات التي كان عليها. ولن أتطرق في مقالي هذا للأسباب التي أدت إلى حدوث هذا التراجع الذي كان متوقعا، لأن هناك الكثير ممن سبقوني سواء كانوا مختصين أو غير مختصين ولكن أود طرح رأي مراقب يحاول تسليط الضوء على تلك القضية ومعرفة أطرافها ومن هم المستفيدون من الذي حدث ومن هم الخاسرون. والواقع أن قلة الفرص الاستثمارية وصعوبة إيجاد قنوات أخرى لاستيعاب السيولة الزائدة لدى الأفراد وفي ظل القوانين الصارمة للاستقدام التي ربما كانت سببا في قلة توجه الأفراد للاستثمار في المشاريع الصغيرة مثل محلات التجزئة والمغاسل والمطاعم، إضافة إلى وجود محفزات للاستثمار وبيئة مطمئنة بسبب بقاء سعر برميل النفط عند مستويات مرتفعة ومع الاكتتابات التي حصلت ابتداء بشركة الصحراء للبتروكيماويات في أيار (مايو) من عام 2004 التي بسببها تفتحت أعين شريحة كبيرة من المواطنين خصوصا فئة الشباب على هذا النوع من الاستثمارات، تزايد عدد المستثمرين في سوق الأسهم إلى أن وصل إلى قرابة ثلاثة ملايين مستثمر بعد أن كانوا في السابق أقل من عشر هذا الرقم، ومع العدد الكبير من المتداولين والسيولة العالية التي ضخت في السوق عن طريق صناديق البنوك الاستثمارية مقابل عدد محدود من الأسهم، ارتفعت الأسعار بمستويات قياسية، فأصبحنا نرى خسائر في السنوات السابقة أدت إلى تآكل رؤوس أموالها وشركات وصل مكرر أرباحها ألف مرة مع ذلك ترتفع أسهمها في السوق بالنسب القصوى لأيام متتالية. هذا الوضع رغم أنه غير طبيعي وتسبب في فقد سوق الأسهم السعودي الكثير من المصداقية التي تستطيع من خلالها تحديد الوضع الاقتصادي الحقيقي للبلد، إلا أنه كان يسير في مصلحة فئتين كانتا هما أكبر الفئات المستفيدة من حال السوق، الفئة الأولى هي مؤسسات القطاع المصرفي في البلد. الفئة الأخرى هي فئة كبار المستثمرين، أو كما يسميهم البعض "الهوامير" والذين استطاعوا بسبب ضخامة محافظهم أن يؤثروا في حركة العرض والطلب من خلال القيام بتنفيذ صفقات وهمية بين محافظ يمتلكها الشخص نفسه بغرض تغرير صغار المستثمرين الذين دخلوا السوق عن غير دراية بالعوامل المؤثرة في العرض والطلب وتخبط معظم قراراتهم المتعلقة بالبيع والشراء، فأصبحت الشائعات والمنتديات في الشبكة العنكبوتية هي التي تحدد الشركات الناجحة والشركات غير الناجحة وليست القوائم المالية وتحليلاتها المبنية على أسس ونظريات علمية. وعندما حدثت حركة التصحيح القاسية، تبين لنا سلوك القوى المؤثرة في السوق التي لم تتأخر في تسييل محافظها والخروج من السوق، البنوك كذلك قامت بتسييل محافظ التسهيلات لكي تستوفي مبالغها المقرضة وكافة الفوائد والعمولات ولحقهم صغار المستثمرين الذين قاموا بعرض معظم أسهمهم وأصبح حال كثير من المتداولين "نفسي نفسي" وكأننا لا نعيش على ظهر سفينة واحدة إذا غرقت غرق معها الجميع، وأصبح الخاسر يبحث عن كبش فداء يحمله مسؤولية خسارته ولم يجد إلا هيئة السوق المالية ليصب عليها جام غضبه وكأن الهيئة هي التي طلبت منه أن يضع أمواله في شركات ليس لها مقر إدارة وشركات تركت نشاطها الرئيسي وأصبحت تضارب في الأسهم حالها حال أي مضارب وشركات رصيد حساب أرباحها المحتجزة بالسالب، هذه الشركات والتي على شاكلتها كان من الخطأ السماح بالتداول بأسهمها في الأصل ولكن يظل لدى المستثمر عقل وهو مسؤول عن سلوكه الاستثماري بغض النظر عن أي سبب آخر. ما حدث كان فرصة لكي يراجع الجميع حساباته الاستثمارية ويبتعد عن المخاطرة العالية والاستثمار فقط بالأموال المدخرة وليست المقترضة والتفكير في النمو المتزن والمتوازن وعدم البحث عن الثراء السريع لأن ما هكذا تسير الحياة بطبيعتها فالله عز وجل خلق السماوات والأرض في ستة أيام. وكما أن هناك استثمارا في السوق المالية، هناك استثمارات كثيرة أخرى هي أكثر أمانا وربما وكذلك أكثر ربحا وأكثر فائدة للاقتصاد الوطني وعلى رأسها الاستثمار في الذات والتي يستطيع الإنسان أن يرتقي عن طريقها عبر السلم الاجتماعي والوظيفي والوصول لأعلى المراتب في الدنيا والآخرة وكما قال خير البرية عليه الصلاة والسلام: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف". الشؤون الصحية
إنشرها

أضف تعليق