حلقات مكارم الأخلاق (7)

حلقات مكارم الأخلاق (7)

في الحلقة السابقة تحدثنا في نهايتها عن مكرمة "البِشر والبشاشة" باعتبارها واحدة من مكارم الأخلاق الـ 77, وكان قائدنا ومعلمنا الأول محمد, صلى الله عليه وسلم, دائم البِشر طلق المحيا كثير الابتسام, وكان يمازح أهل بيته وأصحابه غير أنه عليه الصلاة والسلام لا يقول إلا حقا, قال صلى الله عليه وسلم "كل معروف صدقة, وأن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق" رواه الترمذي, حديث صحيح, وقال عبد الله بن الحارث, رضي الله عنه "ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله, صلى الله عليه وسلم" رواه الترمذي ـ حديث حسن.
لا بد من تسليط الضوء على البِشر والبشاشة مرة أخرى ولأن بعض القراء الكرام استحسن ما كتبته عن مكرمة البِشر والبشاشة لحاجة الناس إليها وخاصة ما نرى ونسمع مما يخوضه بعض المراجعين للمؤسسات ودوائر القطاع العام بصفة عامة مع بعض الموظفين من جفاء وخشونة في التعامل وتقطيب في الوجه حتى بلغ التعجرف ببعضهم إلى عدم رد السلام أو رده بكلمة واحدة "سلام" وحتى دون النظر إلى المسلم مما يترك أثرا مؤلما في نفسية المراجعين الذين يشعرون بأن هذا الموظف غير مستعد للتعاون وتقديم الخدمات الرسمية التي يحتاجون إليها منه, مما ينفر الناس منه ويضطرون إلى التنازل عن طلباتهم أو الشكوى بعد أن ضاع وقتهم في المراجعة والانتظار, وإذا كان هذا حال موظف إداري يعاني نقصا في حسن التعامل فما بالك إذا كان هذا الموظف في مستشفى ويراجعه مرضى, خاصة من كبار السن في قسم الطوارئ ولا يجدون منه سوى العبوس وضيق الصدر وهم أحوج ما يكونون إلى الابتسامة والرحمة وسرعة العناية بهم ومعالجتهم, لا شك أن هؤلاء المرضى المراجعين سيكونون أكثر تأثرا بسوء المعاملة, فما أجدر بهؤلاء أن يتأسوا بالمصطفى, صلى الله عليه وسلم, ويظهروا للناس البِشر والبشاشة وحسن التعامل والرحمة إحياء لتلك السنة العظيمة التي تنشر المحبة وتسعد الناس وتقضي حوائجهم ويعودون إلى أهلهم فرحين متحدثين عما وجدوه من طلاقة وجه ونفس طيبة فترتفع المعنويات وتسود المحبة بين الناس بجانب الأجر والثواب من الله تعالى والذين هم في حاجته, ولا شك والحمد لله أن هناك من الموظفين في الدوائر الحكومية وفي المستشفيات وغيرها من المرافق الخدمية من هم أحسن حالا مما ذكرنا, فتجد البسمة وطلاقة الوجه على محياهم, حرصاء على خدمة الآخرين, يحترمون كبار السن ويعطفون على الصغار ويساعدون الفقراء والأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم يدركون قبح العبوس وتجاهل الناس والصد عنهم ويعلمون أن البِشر والبشاشة والرحمة من صفات المسلمين, وأن الله تعالى يحسن للمحسنين ويرحم الراحمين ويضاعف أجرهم ويدخلهم الجنة. ألم تر أن صفات وجوه أهل الجنة رائعة ناطقة بالنور والجمال؟ فاسمع قوله, عز وجل, "وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبِشرة" سورة عبس الآيتان 38 و39, وقال تعالى "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" سورة المطففين الآية 24. وقال تعالى "ولقاهم نضرة وسرورا" سورة الإنسان الآية 11. فما أجدرنا بأن تكون وجوهنا مشرقة ومتهللة بالبِشر والسرور حتى تحاكي ولو قليلا وجوه أهل الجنة, ونبعد عن قبح وجوه أهل النار والعياذ بالله التي وصفها الله تعالى بالسواد المظلم المدلهم حين قال "ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة" سورة عبس: 40 و41.
وجوهنا هي هويتنا وصورتنا أمام الناس فلتكن جميلة ومعبرة
كل ذلك جعلنا نلقي أضواء أكثر على جوانب مهمة من مكرمة البِشر والبشاشة ولا جرم أن وجوهنا هي هويتنا وصورتنا أمام الناس التي تعبر بصدق عما يختلج في نفوسنا وما تخفيه صدورنا من خير أو شر, والواقع أن القادة والمسؤولين في كل القطاعات عليهم أن يكونوا قدوة حسنة لمرؤوسيهم ويحثوهم بكل الوسائل ليحسنوا استقبال المراجعين والمتعاملين معهم ومن لهم حاجة, بوجه طلق ونفس مطمئنة ويقدموا للمراجعين وذوي الحاجات كل التسهيلات والعون بصبر وحلم, ويزيدوا عدد الموظفين حتى لا يرهقوا بسبب كثرة المراجعين, وعلى المسؤولين ألا يكتفوا بالأوامر والتعاميم بل بالتوجيهات المباشرة والمراقبة المخلصة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وأن يستقبلوا الشكاوى والاقتراحات بصدر رحب وأن يردوا على أصحاب الشكاوى والاقتراحات بما سيتم, كما يجب أن يشار إلى مكارم الأخلاق, خاصة الصبر والرحمة والأمانة والصدق والإحسان والعدل والبِشر والبشاشة ولين الجانب والعفو في توجيهاتهم وفي الدورات وبرامج التدريب والثقافة, وعليهم أن يتذكروا أن حسن القيادة والإدارة والتعليم والتدريب الجيد المستمر يعوض كثيرا عما غفل عنه الوالدان في تربية أبنائهم وعن الرعاية والمتابعة التي غفلت عنها المدارس خاصة في المرحلة الابتدائية, والله نسأل أن يلهمنا الهداية للصراط المستقيم وإلى اللقاء في مكرمة أخرى في الحلقة المقبلة إن شاء الله.

الفريق متقاعد عبد العزيز محمد هنيدي
قائد القوات الجوية سابقا

الأكثر قراءة