سـوق الأسـهم بخير ولكن ....!!

سوق الأسهم السعودية لمن يعرفها ويتعامل معها منذ سنوات يعرف أنها سوق قوية ونامية مع ما مر بها من مطبات صناعية خلال السنوات الماضية مما زادتها قوة وصلابة. وبتحليل بسيط لبعض شركات أو مؤسسات العوائد نجد أنها نمت خلال العشرين سنة الماضية آلاف الأضعاف، ودون تسمية لمثل هذه الشركات المعروفة نجد أن من وضع بضعة آلاف من الريالات بها ودون عناء بيع وشراء ارتفع رأسماله خلال تلك السنوات إلى ملايين الريالات.
أسواق الأسهم العالمية والإقليمية تعمل منذ عشرات السنين وبعضها مر عليها أكثر من مائتي عام، وهي في نمو مستمر وتستقطب رؤوس الأموال المختلفة ويزيد فيها عدد المحافظ الاستثمارية، وخلال هذه السنين ما زالت في تقدم اقتصادي مستمر بسبب وجود الأنظمة المالية والإدارية والرقابية القوية والشفافية الواضحة وعدم المجاملة في التجاوزات الاستثمارية لأي مستثمر.
إن ما حققته هيئة السوق المالية السعودية هذه الأيام ومن بعد اعتمادها وممارستها لمسؤولياتها يعتبر إنجازا في المسار الصحيح خصوصاً وقوفها من التجاوزات التي يمارسها بعض كبار المستثمرين ومسؤولي مجالس إدارات الشركات والهيئات الاقتصادية المختلفة وإعلانها المستمر عن المزيد من التنظيمات الجديدة التي تضمن استقرار السوق وازدهارها واستقطابها المزيد من المستثمرين والاستفادة من الوفورات والسيولة المالية المتوافرة في السوق.
حقيقة أن الخطوات وإن كانت تسير بشكل جيد ومدروس ما زالت تحتاج إلى المزيد من التنظيمات والمراقبة المستمرة، كما يجب أن يصاحب ذلك المزيد من البرامج الإعلامية والتدريبية لتوعية مختلف المستثمرين في هذه السوق، خصوصاً ما يسمون بصغار المستثمرين لتأثيرهم المباشر في حركة السوق وانعكاساتها السلبية أو الايجابية وما يسببونه من إرباك في مؤشراتها ويتسببون في إظهارها بالسوق غير الرشيدة مما يؤدي إلى عزوف المستثمرين الحقيقيين من الاستمرار فيها ويؤدي إلى هجرة الأموال إلى الأسواق الأكثر استقرارا وتنظيما، كما أن ذلك يؤدي أيضا إلى عدم القدرة على استقطاب رؤوس الأموال المحلية المهاجرة أو رؤوس الأموال الأجنبية.
إن حاجتنا اليوم إلى وجود سوق أسهم سعودية قوية ومستقرة حاجة ملحة لأن عدد أفراد المجتمع المستثمرين فيها في زيادة مطردة وحجم الأموال العاملة فيها تتجاوز المليارات، كما أن أهمية السوق وتأكيد استمرار نموها واستقرارها سوف يجذبان المزيد من المستثمرين السعوديين وغيرهم ونحن نعرف جميعاً أن الرخاء الاقتصادي يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي ويحقق الهدوء والاستقرار الأمني، لأن الكل في هذه الحالة يصبح له نصيب في سوق المال وعالم الاقتصاد ويهمه غياب الفتن والأعمال الإرهابية وغيرها من الأمور التي تعتبر ذات سبب في تعكير مزاج سوق الأسهم وتؤدي إلى انخفاضها أو انهيارها.
إن سوق الأسهم السعودية سوق قوية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، إلا أن ما يعيب هذه السوق هو المتعاملون فيها ومعها، فلا يعقل أن يسمح الواحد منا لنفسه بأن يكون سببا في انهيار مثل هذه السوق القوية وذلك بالسعي خلف أسهم الشركات الخاسرة التي لا تحقق أرباحا وليس لها عوائد، وقيمة سهمها الحقيقي أقل بكثير من قيمته الاسمية، دون معرفة أن مثل هذا التصرف الاستثماري الأحمق سوف يؤدي إلى انهيار السوق ككل ويفقد كل مستثمر رأسماله وينتهي الأمر بالجميع إلى سوق خربة.
إن الإنسان الحصيف الذي يرغب في دخل ثابت ونمو استثماري مستقر ومستمر ينمو مع العوائد الحقيقية للشركات يجب أن يوجه استثماره نحو الشركات ذات السمعة الاستثمارية والاقتصادية الصحيحة، وذلك بالاطلاع على المعلومات المتوافرة عن كل شركة في سوق الأسهم ومعرفة مراكزها المالية وهل تحقق أرباحا وما هي نسبتها؟.. ونسبة نمو أرباحها ورأسمالها خلال السنوات الماضية ونوع الاستثمارات التي تعمل بها ومدى قدرتها على البقاء والنمو والمنافسة من خلال الاطلاع على أخبار الشركة ومعرفة خططها المستقبلية ومساءلة مجلس إدارتها عن تلك الخطط والرؤى المستقبلية، كما أن معرفة موجودات الشركات والتزاماتها أو ما يعرف بحقوق المساهمين ونموها السنوي يجعل المستثمر أكثر معرفة وقربا من الشركة لأن الاستثمار في سوق الأسهم، خصوصاً للعديد من العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة يجب أن يكون التركيز فيه على تحقيق مفهوم ''قليل دائم خير من كثير منقطع'' نظراً لوجود دخول مالية ثابتة لهم وما يحققونه من أرباح في سوق الأسهم هو لجعل حياتهم المعيشية والأسرية أكثر راحة وطمأنينة ويبعدهم عن حياة العوز أو الحاجة إلى الآخرين.
وأخيراً فإن سوق الأسهم السعودية سوق قوية وتنمو بشكل ممتاز وتجذب المزيد من المستثمرين ورؤوس الأموال، وهيئة السوق تقوم بعمل جيد ومتابعة حصيفة ومراقبة متميزة وتأخذ من القرارات ما تراه لصالح السوق وجميع المتعاملين معها وثقتنا فيها عالية، خصوصا مع حرص القائمين عليها والعاملين فيها على البعد عن كل محاباة أو مجاملة لأي مستثمر مهما كان وجاهته أو حجمه، واستمرارها في تبني المزيد من الأنظمة والإجراءات الوقائية التي تضمن استمرار السوق وازدهارها، ولهذا فإن الخلل الحقيقي والخوف الكامن يأتيان من الفئات الأكثر عدداً العاملة والمتعاملة مع السوق التي تمثل أغلبية أفراد المجتمع من المستثمرين الذين يؤثرون على حركة السوق واستقرارها، خصوصاً فئة صغار المستثمرين العاملين في السوق، لأن كثرة إرباكهم السوق سوف تبقي السوق في وضع غير مستقر وثقة مهزوزة، خصوصاً أن مثل هؤلاء المستثمرين الصغار ينطبق عليهم ما يسميه علماء الاقتصاد نظرية نظام القطيع الذي يندفع خلف الإشاعات ويرتد مع الحقيقة فيصيب نفسه ورأسماله بالخسارة غير المبررة لمصلحة أشخاص آخرين يستغلون مثل هذه التصرفات القطيعية ولو أحجم مثل هؤلاء المستثمرين عن البيع مع انخفاض السوق لحافظت السوق على استقرارها.
هيئة سوق المال تضمن إن شاء الله حماية السوق من هواميرها وتضع الأنظمة المنظمة لذلك وتعمل على القضاء على الشركات الميئوس منها ومن استمرارها بالتصفية أو الاندماج مع شركات مشابهة في النشاط، فهل يضع صغار المستثمرين الضوابط التي تضمن لهم الربح الحلال والنمو المستمر لأموالهم والاستقرار النفسي لهم ولأسرهم وتكون عونا على استقرار السوق ونموها.

وقفـــة تأمـــــــل:

''الطبيب الجاهل قد يقتل شخصاً، أما المعلم الجاهل فإنه قد يقتل أمة''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي