العالم يحبس أنفاسه مع تحول أنفلونزا الخنازير إلى وباء

العالم يحبس أنفاسه مع تحول أنفلونزا الخنازير إلى وباء

يمثل التقارب الجسدي احد العلامات المميزة للثقافات اللاتينية بمعنى أن الناس دأبوا على تقبيل بعضهم البعض عند اللقاء والوداع.
ولكن عام 2009 شهد بداية فترة اصبح فيها التقبيل والتصافح من المحرمات. وصارت مطهرات الايدي تباع في كل مكان بل أن بعض متاجر الادوية نفد منها المخزون.
في بادئ الامر أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار "مرض يشبه الانفلونزا في الولايات المتحدة والمكسيك" في 24 أبريل الماضي .
ولم يمض وقت طويل حتى وجدنا مرض أنفلونزا الخنازير - الذي أطلق عليه مسئولو الصحة العامة فيما بعد فيروس ايه إتش 1 إن 1 - يهيمن على العناوين الرئيسية في صدر صفحات الصحف في سائر أنحاء المعمورة .
وصار فيروس إتش 1 إن 1 بمثابة ظاهرة اجتماعية قوية حيث تساءل الناس عما إذا كان المرض ينتقل من خلال اختلاط البشر أو عن طريق السعال والعطس وهل لقاحه يمثل خطرا شديدا.
وفي محاولة للوقاية من المرض ، لجأت كثير من الدول الي اتخاذ الاجراءات الاحترازية وعلى سبيل المثال اقدمت مصر في آيار /مايو الماضي علي ذبح ما لديها من خنازير والتي كان يبلغ عددها 250 ألف رأس خنزير .
وظهر من التجارب المعملية الاولية أن الفيروس الجديد يحتوي على الكثير من الجينات الموجودة في فيروسات الانفلونزا التي تصيب الخنازير في أمريكا الشمالية.
غير أن التجارب التي تم إجراؤها بعد ذلك كشفت أن مصطلح "أنفلونزا الخنازير" هو تسمية خاطئة . وقالت مراكز الوقاية والسيطرة على الامراض بالولايات المتحدة أن فيروس إيه اتش 1 إن 1 هو فيروس رباعي نظرا لانه يحتوي على فيروسات تسبب مرض الانفلونزا وهي توجد عادة في الخنازير بأوروبا وآسيا وكذلك الطيور والجينات البشرية.
وتحولت المكسيك لفترة وجيزة من الزمن دولة منبوذة عالميا عندما اكتشف فيها الفيروس الجديد لاول مرة . بل أن المكسيكيين الاصحاء كان ينظر إليهم بارتياب في الخارج ووصل الامر إلى حد احتجاز بعضهم في الصين رغم عدم ظهور أعراض الاصابة بالفيروس عليهم.
وبلغ الامر إلى حد أن فيروس ايه إتش 1 إن 1 أحدث توترا حتى على الصعيد الدبلوماسي حيث اشتكت المكسيك من قيام الارجنتين وكوبا على سبيل المثال بتعليق الرحلات الجوية بينهما وبين المكسيك.
وتوقفت الحياة الاجتماعية فجأة بعد أن صدرت تعليمات للمطاعم بإغلاق أبوابها لمدة أسبوع وظلت الحانات شبه خاوية من الرواد لمدة طويلة.
كما جرى إغلاق المكتبات ودور السينما والمسارح وحتى الكنائس ألغت صلواتها.
وفي الارجنتين تقرر أن تكون أجازة نصف السنة للمدارس ثلاثين يوما علاوة على إغلاق المدارس لمدة أسبوعين بسبب انتشار أنفلونزا الخنازير على أن يلي ذلك عطلة الشتاء المعتادة المحددة بأسبوعين.
وبحسب منظمة السياحة العالمية التابعة للامم المتحدة فقد تسببت انفلونزا الخنازير فى نصف خسائر صناعة السياحة في 2009 ، وفي المكسيك وحدها قدرت المنظمة هذه الخسائر بـ 5ر4 مليار دولار.
أما في أوكرانيا قلل مسئولو الصحة في بادئ الامر من شأن الانباء عن انتشار المرض قائلين إنه علي الرغم من تزايد حالات الاصابة بانفلونزا الخنازير، الا ان ذلك لايتم بصورة أسرع من معدلات الاصابة بالانفلونزا في المواسم السابقة وأنه لا توجد بين عدد حالات الوفاة القليلة التي سجلت حالة وفاة مؤكدة بأنفلونزا الخنازير.
لكن في أكتوبر الماضي أبلغت رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو الشعب عبر خطاب متلفز أن حالات الوفاة سببها انتشار وباء" أنفلونزا".
وقالت إن الحكومة تتخذ الان خطوات لمكافحة الانفلونزا بما في ذلك برنامج عاجل لتصنيع الكمامات الواقية وفيما بعد اتخذت خطوة استعراضية حيث كانت في استقبال طائرة شحن تحمل أول دفعة من لقاحات أنفلونزا الخنازير قادمة من سويسرا في مطار كييف.
وهنا اتهمها المنتقدون في أوكرانيا على الفور بإثارة حالة من الهلع وخلق حالة من الطوارئ الزائفة بغية الفوز في انتخابات رئاسية.
وفي أوكرانيا وغيرها من الدول ساد إحساس بأن حالة الهلع من أنفلونزا الخنازير جرى تضخيمها كثيرا ، ورغم أنها تعد أول وباء أنفلونزا منذ 1968 حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن عدد حالات الوفاة بالمرض بلغ بحلول نهاية نوفمبر الماضي 8768 حالة وفاة فإن الرغبة العامة في الحقن باللقاح ليست كبيرة.
فقد اوصت السعودية هذا العام بتطعيم جميع الحجاج ضد أنفلونزا الخنازير قبل الذهاب لاداء فريضة الحج. ومنعت مصر الاشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما او الذين تزيد أعمارهم
على 60 عاما من الذهاب للحج وطالبت الحجاج المصريين بأخذ اللقاح ، لكن في واقع الحال جرى تسليم شهادات التطعيم في بعض الحالات حتى مع عدم أخذ المواطنين للقاح.
ويبدو أن بعض مسولئ الصحة تهاونوا في تطبيق اللوائح أخذين في الاعتبار قلق الناس من أن اللقاح نفسه غير آمن رغم تأكيد السلطات الطبية الدولية بأنه يعتبر آمنا.
ودفع هذا الامر وزير الصحة المصري الى الظهور على شاشة التليفزيون وهو يحقن باللقاح بالاضافة إلى الامام الاكبر شيخ الازهر بغية تهدئة مخاوف المواطنين.
وبحلول نهاية عام 2009 بلغ وباء أنفلونزا الخنازير ذروته في بقاع كثيرة من العالم وبدأ يخبو الاهتمام العام به بصفة عامة . لكن مارجريت شان مديرة منظمة الصحة العالمية كتبت قائلة إن النمط الذي شاهدناه في النصف الثاني من عام 2009 سوف يستمر في العام المقبل.
وأردفت تقول "الغالبية العظمي من الحالات سوف تمر بأعراض خفيفة يعقبها شفاء سريع وتام".
غير أن شان قالت أيضا في مقال بمجلة الايكونومست إنه بالنسبة لمن هم في حاجة للقاح فإن الامدادات في كثير من مناطق العالم "لن تكون كافية بشكل كبير" .

الأكثر قراءة