شيخ النحاتين العراقيين ملأ بغداد بأجمل النصب والتماثيل وما زال يحلم بالمزيد
شيخ النحاتين العراقيين ملأ بغداد بأجمل النصب والتماثيل وما زال يحلم بالمزيد
رغم أن الاحتلال الأميركي للعراق في ابريل 2003 تسبب بتدمير وسرقة 150 تمثالا من منحوتاته من البرونز والخشب والحجر و300 وساما وميدالية وشارة من الذهب والفضة والنحاس والبرونز كانت معروضة في متحف ببغداد وتمثل كل مسيرته، ألا أن النحات العراقي الشهير محمد غني حكمت ما زال يعمل بشغف آملا بالعودة إلى بغداد ليكمل مشوارا بدأه قبل أكثر من نصف قرن.
ويقول حكمت (80 عاما) الذي أقترن اسمه بنصب "على بابا والأربعين حرامي" و"شهريار وشهرزاد" في مقابلة مع وكالة فرانس برس في عمان حيث يقيم منذ خمس سنوات، "رغم كل ما حصل ما زلت احلم بالعودة الى بغداد لأكمل ما بدأته قبل ستين سنة".
وأضاف من ورشته المليئة بعشرات النماذج الحجرية والبرونزية التي تروي بلغة الفن حكاية كل إنسان عراقي روعه الاحتلال وافسد أحلامه وشرده للمنافي البعيدة حيث يعاني من الغربة والحنين الى الوطن، "انا متفائل بأن ما حصل سينتهي، فالعراق مركز ثقافي وحضاري عمره يمتد لآلاف السنين ويصعب تغيير جذوره خلال سنوات قليلة".
ولد حكمت في الكرخ ببغداد 1929 وسط أسرة محافظة شجعته على ممارسة هوايته. وعندما كان طفلا كان يذهب إلى ضفاف نهر دجلة ليصنع من الطين اشكالا لحيوانات وزخارف وقبب شبيهة بتلك التي تزين ضريح الأمام موسى الكاظم في بغداد.
وانصب اهتمام حكمت على إدخال الأساطير البابلية والسومرية والاشورية في أعماله حتى انه عبر عن ذلك في مقدمة احد كتبه عام 1994 قائلا "من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري او بابلي او آشوري او عباسي، كان يحب بلده".
وأنجز حكمت منذ تخرجه من كلية الفنون الجميلة بروما 1959 عشرات النصب في بغداد أبرزها حمورابي وشهريار وشهرزاد وكهرمانة والأربعين حرامي والمتنبي وبساط الريح والخليفة ابو جعفر المنصور والجنية والصياد، إضافة إلى أعمال أخرى لا تحصى منها 14 لوحة جدارية في أحدى كنائس بغداد تمثل درب الآلام للسيد المسيح.
كما أنجز حكمت في ثمانينات القرن الماضي أحدى بوابات منظمة اليونيسف في باريس وثلاث بوابات خشبية لكنيسة "تيستا دي ليبرا" في روما ليكون بذلك أول نحات عربي مسلم ينحت أبواب كنائس في العالم. فضلا عن انجازه جدارية الثورة العربية الكبرى في عمان وأعمال مختلفة في البحرين تتضمن خمسة أبواب لمسجد قديم وتماثيل كبيرة ونوافير.
كما ساعد حكمت في عمل "نصب الحرية" الذي كان من تصميم أستاذه النحات العراقي المعروف جواد سليم الذي وافاه الاجل في سن الثانية والأربعين قبل اكتمال هذا العمل الذي يرمز إلى مسيرة الشعب العراقي من زمن الاحتلال البريطاني إلى العهد الملكي ثم الجمهوري.
وتم انجاز النصب البرونزي بطول 50 مترا ويضم 25 شخصية بالإضافة إلى الثور والحصان، ويعد احد اكبر النصب في العالم، خلال عامين في فلورنسا بايطاليا ونقل إلى بغداد عام 1961 بطائرة.
وتتحدث مواضيع النصب عن المآسي التي مرت بالعراق، منها أم تبكي على ولدها وجندي يكسر قضبان السجن وأحلام ما سوف قد يأتي من حرية وثورة صناعية وزراعية.
ورغم أن هذا النصب الذي ازيح عنه الستار في 14 تموز/يوليو 1961، قد تم إنشاؤه بعد سقوط الملكية في العراق (1958) ومجيء الزعيم عبد الكريم قاسم إلى السلطة ألا أن حكمت يؤكد بأن "العراق لم يشهد استقرارا امنيا فعليا منذ ذلك الحين".
ويأمل حكمت الذي عمل 37 عاما أستاذا في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد بأن يعود إلى بغداد يوما لانجاز ثلاثة أعمال برونزية: الأول تمثال لسندباد البحري عائم وسط نهر دجلة والثاني نافورة مصباح علاء الدين السحري في ساحة الخلاني والثالث لحرامي بغداد تلك الشخصية التي اشتهرت في العصر العباسي عندما كان يتلثم بالليل ليسرق أغنياء بغداد ويوزع بعد ذلك المال على الفقراء.
ويقول "أنا أكملت كل المخططات وأعددت المجسمات الصغيرة وآمل أن تستتب الأوضاع في بغداد حتى أتمكن من انجاز هذه الأعمال".
وينتقد حكمت الاحتلال الاميركي للعراق وما رافقه من عملية تدمير وسلب ونهب لارث الفن العراقي، ويقول "لقد أدى ذلك الاحتلال البشع إلى تدمير ستة آلاف عمل فني من مجموع ثمانية آلاف عمل كانت تمثل أرشيف الفن العراقي".
ويضيف "كان الطابق الثالث من متحف صدام للفنون يضم 150 تمثالا من أعمالي البرونزية والخشبية والحجرية التي تمثل كل مسيرة حياتي بالإضافة إلى (واجهة) تضم 300 وسام وميدالية مختلفة من الذهب والفضة والنحاس.