ذاكرة الإنسانية لا تنسى تأثير العظماء.. الملك أنموذجاً
المعايير التي وضعتها ''فوربس'' لاختيار الشخصيات الأكثر نفوذا وتأثيراً في العالم تجعلني أقول إن الملك عبد الله اختير لسببين مهمين. الأول أن تأثيره تجاوز المحلية ومحيطه الإقليمي والإسلامي ليصبح تأثيراً عالمياً. وثانيهما أن رؤاه وأفكاره المؤثرة هي واقع ملموس على أرض الواقع. فقد أشارت ''فوربس'' إلى أنها اختزلت قائمة تصنيفها إلى 67 شخصا وهو عدد يختزل سكان العالم البالغ عددهم 6.7 مليار شخص إلى شخص واحد مهم من كل 100 مليون في العالم. وهو بذلك لا يمثل السكان المسلمين والعرب، لأن عددهم يتجاوز المليار ونصف المليار نسمة، بل يمثل شخصية عالمية مهمة أثرت في الأفكار والأحداث الدولية برؤى وسياسات عملية وفعلية تخدم الإنسانية بغض النظر عن الدين والعرق واللغة واللون، وتنأى عن تضخيم الذات ، لتضخيم الرؤى والأفكار لتكون واقعا ملموسا يخدم الإنسانية جمعاء. فالحوار بدأ محلياً لعصف الأفكار وتنقية الشوائب وتصفية النفوس لخلق لحمة وطنية متينة تصعب زعزعتها بالأفكار الهدامة البغيضة. وانتشر عالمياً ليصبح حواراً بين الأديان والطوائف، لتتبناه هيئة الأمم المتحدة في منتدى حوار الأديان الذي عقد قبل عام في مثل هذا الشهر، حيث قال خادم الحرمين الشريفين عبارته الأكثر تأثيراً: إن ''الأديان التي أراد بها الله ـ عز وجل ـ إسعاد البشر لا ينبغي أن تكون من أسباب شقائهم''. وأضاف ''أنه على مر التاريخ، أدت الصراعات على القضايا الدينية والثقافية إلى حالة من عدم التسامح ''وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة''..''إن الإنسان نظير الإنسان وشريكه على هذا الكوكب. فإما أن يعيشا معا في سلام وصفاء وإما أن ينتهيا بنيران سوء الفهم والحقد والكراهية''. هذه العبارات البليغة كافية لاختصار رسالة الإنسانية ليصبح التسامح والصفاء هو عنوان الإنسانية، لا الحرب والدمار. ويمكن القول أيضاً إن الإنجازات الداخلية كانت من الأسباب المهمة لجعل خادم الحرمين الشريفين الأكثر نفوذاً وتأثيراً، فهو قائد التخصيص وتحرير الاقتصاد. فهو باني استراتيجية التخصيص التي أدت إلى تخصيص الاتصالات، والكهرباء، والموانئ، وسكة الحديد. وهو الذي حرر التعليم من قيود الانغلاق ، ونشر الجامعات في المدن والقرى، وزاد أن ابتعث آلاف الطلاب إلى كل بقاع العالم لمزيد من العلم والمعرفة والاستفادة من الحضارات الأخرى، ليتوج رؤيته العالمية للتعليم بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا لكل الناس من الداخل والخارج. وإذا كانت الأفكار المبدعة هي الأكثر تأثيراً ونفوذاً، فإن تطبيقها على أرض الواقع كما سردنا هنا هو الأكثر بقاء وديمومة وفائدة للإنسانية. لذا استحق أن يكون بين أكثر الشخصيات في العالم تأثيراً على مستوى الرسالة والأفكار لأنها أصبحت واقعا معاشاً. وفي جانب آخر، يدرك الملك عبد الله أن بلاده تحتضن أكبر مخزون نفطي، واحتياطي مالي ضخم، واقتصاد متين، ولكنه يعمل دائماً لجعل هذه الموارد وسيلة لإسعاد البشرية، وليس لشقائها وعذابها. فعندما كانت تحلق أسعار النفط في السماء لتقترب من 150 دولاراً للبرميل، كانت المملكة – وبلسان خادم الحرمين الشريفين – ترى أن الأسعار العادلة يجب أن تكون في مستويات أقل بين 70- 80 دولاراً حتى لا يبطئ النمو في اقتصاديات الدول المتقدمة والفقيرة لتكون في متناول الجميع بأسعار معقولة. لقد بدأ بعمل ذلك محلياً أولاً، حيث عمل على خفض أسعار الوقود والديزل ليتمكن المواطن والمقيم بالتنقل بأقل تكلفة ممكنة، وليحقق الصانع والتاجر أرباحاً معقولة. خصوصاً أن النفط أصبح مصدر الطاقة الذي لا تستغني البشرية ولا الإنسانية عنه في مأكلها وتنقلها وتدفئتها، فقيرة كانت أم غنية، ليحقق معادلة صعبة في توفير طاقة رخيصة للعالم، مع ارتفاع ثروات الوطن ليخدم الجميع دون ضرر أو ضرار.وعندما عصفت الأزمة العالمية بالاقتصادات الكبرى وانهارت قطاعاتها المالية، لم يتخلف عن المشاركة في قمة العشرين لأكثر الاقتصاديات العشرين في العالم قوة وتأثيراً، حيث كان سباقاً بوضع الحلول الناجعة والواضحة. فتعهد بألا يسقط اقتصاد بلاده، حيث أعد 400 مليار ريال لتنفق على المشاريع الحيوية في السنوات الخمس المقبلة. ليرسل إشارة واضحة للدول العشرين على أن إنقاذ الاقتصاد العالمي لا يتأتى إلا بالتركيز على إنقاذ كل اقتصاد دولة من الدول العشرين كل على حدة، لتكون المحصلة النهائية هي إنقاذ الاقتصاد العالمي. وهو ما حدث بالفعل، حيث ركزت كل دولة على حل الخلل فيها، ليعود الاقتصاد العالمي ليتنفس الصعداء ويبدأ مسيرته للانتعاش.كل تلك الرؤى والأفعال لا يفعلها إلا الناس العظماء الذين يدركون أن لهم رسالة إنسانية عظيمة تتجاوز الإقليمية لتصل إلى كل أصقاع العالم لتصبح دروساً حقيقية للأجيال تعبر عنها في نهاية المطاف جوائز عرفاناً بالأدوار العظيمة والمؤثرة في الإنسانية وتخليداً لذكرى فاعلها ليبقى دوره محفوظاً في ذاكرة البشرية. فلا غرابة أن يتبوأ خادم الحرمين الشريفين هذه المكانة ليبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الإنسانية.