البيوت الذكية.. ترف استهلاكي أم حاجة أساسية؟

هل أصبحت بيوتنا الحالية أو المستقبلية ذكية؟ المقصود بذلك هو الذكاء غير الطبيعي لأن الذكاء للإنسان وحده: بيوتنا ستصبح ذكية فقط إذا توافرت فيها التقنية الحديثة من خدمات وتسهيلات ملموسة, وحيث إن جميع بيوت اليوم مجهزة بمعدات تقنية وكهربائية جعلت حياتنا اليومية أكثر يسرا وسهولة فقد انتشرت البيوت الذكية في المنطقة الخليجية في البداية كموضة ثم تحولت من موضة إلى حاجة أساسية, وحيث يوجد لدينا في منطقة الخليج شمس مشرقة وجو صحو فهذه البيوت التي تعكس تطبيقات استخدام الطاقة الشمسية يجب أن تأخذ حظها من الاهتمام خصوصا بعد أن أظهر العالم اهتماما كبيرا بهذا المجال. هذا الأسلوب الجديد في البناء الذي يعتمد على وجود جانب معدني عاكس في البيت وهو الجانب الذي يوجه في اتجاه الشمس صيفا،ً حيث يتم في البيت الذكي تركيب وحدة للطاقة الشمسية، حيث تكون مواجهة للشمس بشكل مباشر ومن ثم توفر للبيت احتياجاته من الكهرباء إلى الإضاءة ولتشغيل الأجهزة الكهربائية، في أشهر الصيف عندما تتيح هذه الوحدة كهرباء تزيد على حاجة المنزل فإنه يمكن توجيه الفائض إلى شبكة كهرباء محلية كي تستفيد منه بيوت أُخرى. ومشكلة الكهرباء معروفة لدى معظم المجتمعات الخليجية خصوصا في فترة الصيف حيث مضاعفة الاستهلاك, فهذا النوع من البيوت ينتج طاقة تزيد خمسة أضعاف ما يستهلكه في العام الواحد في متوسط ساعات سطوع الشمس في بلدان كبلداننا صيفاً وشتاء. إنها أكثر من ذلك فهي بيوت معجزة لأنها بمثابة واحات يلجأ إليها أصحابها للراحة والاسترخاء فغدت وكأنها الكن والكنن والسكن والمستكن والمأمن والمكمن والكينون, لا نبالغ في ذلك, وحيث ما زالت لدينا عقدة الغرب ونرحب بابداعاته وأفكاره فالبيوت الذكية جاءت أساسا من ألمانيا وأوروبا وعليها إقبال كبير في الدول الصناعية خاصة الإسكندنافية مثل السويد والنرويج والدنمارك, وإن كانت لا تزيد على كونها شققا وفيلات مبنية من الأخشاب التي لا تحترق وتقاوم الفطريات لكن يقال إنها تدفع الملل عن نفوس ساكنيها باستخدام التكنولوجيا الذكية التي جعلت الحياة أكثر سهولة, ولا يجب الاقتصار على مادة واحدة في البناء فلا مانع من إدخال مواد أُخرى بنسب محدودة مثل الحجر والبوليسترين كمواد عازلة. ولكونها بعيدة عن أي طاقة صِناعية وتعتمد على الطاقة المُتجددة فقط فقد جعلت من البيت ذي الاستهلاك المنخفض للطاقة بيتا ذكيا أو بيتا استثنائيا أو إيجابيا, إن هي إلا أسماء, بيوت بها شبكة معلومات مُتكاملة وتنبه لدرجة الحرارة وتحمي نفسها من الأمراض والحيوانات الضالة، نوافذها تُفتح وتُغلق من تلقاء نفسها ليلا ونهارا حسب مقتضيات الحاجة، فمثلا تُغلق من تلقاء نفسها عندما تعمل أجهزة التكييف وتفتح بمجرد ارتفاع درجة الحرارة, وكذلك عندما ترتفع درجة حرارة الشمس، فإن الستائر تنسدل تلقائيا ويمكن وضع الستائر بصورة آلية بشكل تتناغم فيه الإضاءة الخارجية مع العرض المنزلي, ويوجد فيها نظام الحصانة الأمنية عن بعد لأنه في حال حصول أي اختراق للمنزل أو حريق داخلي يقوم النظام المنزلي وبصورة آلية بإخطار مالك المنزل بما يحدث, إضافة إلى إمكانية الرجوع إلى كاميرا المراقبة المنزلية عن طريق الكمبيوتر الشخصي بمراجعة ما يحدث في داخله أثناء العمل أو إجازات السفر, وهكذا أصبحت البيوت الذكية متطلبا عصريا للحرفيين والتكنوقراط ورجال الأعمال وليست حلما أو حدثا خرافيا, ولأن البيوت الكبيرة مضنية ومتعبة لأهلها وتتطلب خدما وحشما بل ربما تكون بعض مرافقها مهجورة تكسوها الغبار فما زلنا في حاجة إلى بيوت تتطلب منا عناية أقل كهذه البيوت, كل هذه القضايا يمكن السيطرة عليها والتحكم فيها, فالبيوت الذكية بتجهيزاتها وتقنياتها السهلة جعلت المرضى والمعوقين وكبار السن والأطفال هم أكثر من يحتاجون إليها لأنه توجد فيها الرعاية التامة التي تحول حياتهم إلى نوع من الشراكة أو المشاركة والاعتماد على النفس بدلاً من طلب يد العون والمساعدة وتساعدهم أيضا على أن يكون للواحد منهم رأي في إدارة شؤون منزله وحياته, أي أن العامل البشري حافظ على أهميته على الرغم من التطور التكنولوجي, وهكذا شكلت البيوت الذكية خطوة مهمة في حل العديد من المشكلات التي تعانيها الدول الصناعية المتقدمة والنامية على حد سواء. هذه البيوت الذكية التي وفرت لنا كل شيء وغدت كأنها ترياق لجميع المشكلات فهل تستطيع أن تحل الخلافات الأسرية اليومية؟ العلم الصيني “الفنج شوي” استخدم كثيرا في هندسة وتصميم البيوت عند العرب القدماء وحتى يومنا هذا, مبدأ هذا العلم يعتمد على الطاقة التي يوفرها المكان وجريانها, هل سألنا أنفسنا لماذا نشعر بضيق في مكان ما أو براحة في مكان آخر؟ كل البيوت تسكنها أرواح قد لا ترى لكنها تمثل انعكاسا لهندسة البيت نفسه أو ما يسمى روح المبنى, وإذا شئت فهي مجرد ذبذبات يفرزها المبنى إذا أردت أن يكون التعبير علميا, بالتالي فهي تختلف من شكل هندسي إلى آخر، فقد تقود تلك الذبذبات إلى أمراض أو إخفاقات حياتية أو نجاحات أو غير ذلك لقاطني تلك البيوت, الشكل الهرمي مثلا لم يختره الفراعنة اعتباطا فهو على ما يبدو ذو ذبذبات قوية وصحية, فهل تتدخل هندسة البيوت في أخلاق ساكنيها وتتحمل مسؤولية العنف الأسري والاجتماعي وتبقى ذات علاقة مباشرة بالخلافات الزوجية اليومية أو التآلف والرضا والمودة؟ وهل تتحمل هندسة المدن مسؤولية السلم الاجتماعي, عدا الملوثات البيئية؟
المشكلة الإسكانية ما زالت تؤرق المؤسسات والمجتمعات الخليجية حيث زيادة تكلفة البناء والبيوت الذكية لديها الحل فهي رخيصة نسبيا وموضوع هندسة المباني الذكية ما زال خيارا مفضلا لدى الشركات والمؤسسات والأفراد كونها تلبي الاحتياجات المتعددة ضمن معادلة الاستخدام السهل والآمن لمكونات المبنى من إضاءة وتكييف وأنظمة الصوت والصورة والأنظمة الترفيهية مع توفير النفقات وتحسين الأداء التشغيلي عبر مجموعة من الحلول المتكاملة, كل ذلك يهدف إلى عرض فكرة المباني الذكية بشكل جذاب، حيث تستخدم معظم الأبنية مجموعة من الشبكات المتعددة ومنها أنظمة إدارة الأبنية وشبكات الهاتف وشبكات المعلومات لأن الأنظمة الحالية تعتبر معقدة ومكلفة، إضافة إلى الإمكانية المحدودة لعملها. بعد ذلك يأتي الحديث عن أجهزة التحكم الذكية ومدى تطورها لتكون ملائمة للعمل وقادرة على استيعاب عبء اتساع الأعمال وتخفيف العبء الإداري من خلال الاستخدام السهل لأجهزة التحكم للمباني الذكية كالتحكم في أنظمة الإضاءة والمراقبة والتكييف ودرجة الحرارة عن طريق شبكات تتيح القيام بعدة استخدامات في وقت واحد وبنظام آمن للسيطرة والتحكم بوظائف المبنى من أي مكان في العالم عن طريق استخدام شبكة الإنترنت. لقد تطلبت الطفرة العقارية الكبيرة التي شهدتها منطقة الخليج ابتكار هذه الخدمات الذكية في شكل بيوت ومبان ومدن ذكية في هندستها لأن هذا سيوفر الطاقة ويخدم البيئة والحياة. ونحن من جانبنا نحاول أن نسلط الضوء على جوانب تغيير نمط الحياة إلى الأفضل فلم تعد المباني بسيطة ولا ساكنيها بسطاء كالسابق, إذ يمكنك الآن بكبسة زر أن تفعل ما تشاء في منزلك سواء كنت داخله أو خارجه كما تستطيع أن تبرمج بيتك بالطريقة التي تراها مناسبة لك أو التي لا تشعر الجيران أو الآخرين إنك قد غادرت المنزل فعلا وأعتقد أن هذه التقنيات ستنتشر في الغد القريب بصورة أكبر, فقطاع الأعمال اليوم لم يعد قادراً على الاستغناء عن مثل هذه الحلول لمواكبة الحياة العصرية وكذلك الأفراد وذلك من خلال تكامل العديد من الأنظمة والخدمات التي يتطلبها الوصول إلى مستوى المنزل من خلال التحكم عن بعد في جميع وظائف الأجهزة كالهاتف والتلفاز والكمبيوتر عن طريق لوحات مجهزة تعمل بمجرد ضغطة زر. البيوت الذكية إذن لم تعد ترفا بل إنها حاجة أساسية.
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي