لا بارك الله فيه مَن تعصب
عندما أقرأ بعض الصفحات الرياضية في الصحف اليومية المكتوبة أو الإلكترونية أو عندما أدخل المنتديات الرياضية للأندية أو عندما أتابع التعليقات من قبل القراء، أصاب بحالة من الانكسار, والتوتر, والشعور بالإحباط الشديد, والسبب التحول الذي أصابنا جميعا في مقتل, وأصبحنا أعداء بعضنا لبعض, أصبحنا نعيش حالة ألا توازن, وكل منا يتصرف من خلال شبح الآخر.
تغير في اللغة وتغير في الأسلوب وتغير في الهدف، فبدلا من أن تكون الرياضة وسيلة من وسائل التربية ومنهجا متقدما من مناهج الترفيه وطريقة من الطرق التي تحاول بناء الأجسام والعقول تحولت إلى ميدان للصراع والحرب المعلنة وتحول التخاطب المؤدب إلى تنابز بالألقاب وظهرت لغة (سوقية) كانت قد اختفت لفترة طويلة من الزمن. بدأت اللغة الحضارية المقترنة بالشفافية والذوق الرفيع تقتل في مهدها لتتوارى شيئا فشيئا.
لا يمر يوم ألا وتقرأ مقالا أو تشاهد تصرفا خارج عن الذوق العام, أو تسمع تصريحا لا يخلو من تشنج, طرح بطريقة تؤجج النفوس وتستفز العقول. تحول بعض المشجعين وبعض الإعلاميين إلى (دعوجية) للاعبين وللأندية.
الغريب في الوقت الذي تطور إلى حد ما فكر الإداري والمدرب واللاعب في التعامل مع الأخطاء! تقهقر فكر معظم المشجعين والمتابعين والإعلاميين وتحول إلى خلاف شخصي خلاف ليس له مبرر منطقي, ولا يخدم الرياضة, ولا يدل إلا على ضيق الأفق و مرارة الطبع وسوء المزاج، أو ربما يدل على شيء آخر متعلق بالعلاقة بين الأندية وبين لجان الاتحاد السعودي وبين الإعلام وهي علاقة ربما زادت من حدة الاحتقان لدى الشارع الرياضي وأصبحنا نعيش في حالة من الصراع المستمر، أو ربما دل على أن مجتمعنا مستهدف لزعزعة استقراره, أقول ربما!
خلاف على القشور وعلى أمور سطحية لا تخدم رياضة الوطن ولا تشجع على النمو والتطور والرقي، أصبح الوسط الرياضي هذه الأيام وسطا هشا ساذجا يهتم بصغار الأمور ويفتش عن مناقب الناس أكثر مما يهتم بالمنهج العلمي السليم لتقدم الأندية من الناحية الفنية والأخلاقية.
لقد ذكرني هذا الوضع الذي يرثى لحاله بوضع العالم الإسلامي في نهاية العصر العباسي (مع الفرق الكبير بين الوضعين)، الذي هو بداية لتمزق الأمة الإسلامية وضعفها وانقسامها إلى إمارات صغيرة ظهر بينها الجدل والخلاف على أمور تافهة ونسوا ما تعانيه الأمة الإسلامية من ضياع وسوء الحال. تصوروا تحول النقاش بين القبائل والتفاخر إلى خلاف على من الذي أبلى بلاءً حسنا في قتل جرذ ظهر من جحره, وكاد يتحول هذا الخلاف الذي تعالت معه الأصوات إلى حرب بسوس ثانية. كل يدعي أنه الشجاع والمقدام الذي أجهز على هذا الجرذ, يا له من منظر مضحك، ولكنه ضحك كالبكاء.
لقد لخص المتنبي هذا الصراع الغبي بشيء من السخرية التي لا تخلو من فكاهة بقوله:
لقد أصبح الجرذ المستغير
أسيرَ المنَايا صَريعَ العَطَبْ
رَمَاهُ الكناني وَالعَامِرِيُّ
وَتَلاّهُ للوَجْهِ فِعْلَ العَرَبْ
كِلا الرّجُلَينِ أتلى قَتْلَهُ
فَأيُّكُمَا غَلّ حُرَّ السَّلَب
وَأيُّكُمَا كانَ مِنْ خَلْفِهِ
فإنّ بهِ عَضَّةٌ في الذّنَبْ
أما آن الوقت أن نعالج الأخطاء ونزيح هذا التوتر الذي قض مضاجع الناس جميعا, أما آن للمؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية أن تبحث عن أسلوب أفضل لجمع المال بعيدا عن الإثارة المدمرة لبنائنا الاجتماعي وعلاقاتنا بعضها ببعض، أما آن للمشرفين على المنتديات أن يطبقوا الشروط التي وضعوها للعضو قبل تفعيل عضويته والرقي باللغة واللفظ، والبعد عن السب والشتم الذي هو ديدن غالبية المنتديات.
الرياضة في المجتمع السعودي، أو بالأصح كرة القدم، هي الوسيلة الترفيهية الوحيدة التي أشغلت الأطفال والشباب وكبار السن في مجتمعنا. يستهلك الإنسان أفضل أيام عمره من حيث القوة والنشاط في متابعة فريقه المحبب، وهو أمر طبيعي في كل المجتمعات، لكن الرياضة في بلادي ـ مع الأسف الشديد ـ ما زالت تحمل سمات التطور الفني السريع والتطور الحضاري البطيء، وهو تناقض سكت الرياضيون عنه كثيرا، ولكنه سكوت يختلف بطبيعة الحال عن سكوت أبي العلاء المعري. والله الموفق.