ملاقيف ..!
أضواء محمد الوابل
ينتاب البعض حينما يرى أناسا يلفتون الانتباه بحركاتهم أو أشكالهم أو حتى لو كانوا لا يفعلون، شعور لا أعلم له اسما إلا مصطلح "لقافة" فينظر فـيهم ويفرّغ فكره لينتج مسلسلا عن حياتهم .. ويألف قصصا عنهم؛ متخيلاً أحداث تشبع فضوله أو بمعنى أصح "لقافته".
وحتى أصل بفكرتي سأذكر مثالا لهذا وهو أني قبل فترة كنت في صالة الانتظار بإحدى المستشفيات وكان بجانبي سيدتان بدا لي أنهما تعرفان بعضهما ، دخل شاب و وامرأة وبصحبتهما طفل يبكي من شدة الألم . سألت إحدهن الأخرى " تتوقعين ذا زوجها ؟" ردت عليها الأخرى "لا! مبين أنه مو زوجها شوفيه شكله أصغر منها وذي أخته و جايبها هي ولدها للمستشفى" فبادرت الأولى قائلة :"الله يعينّه. تلقين رجلها جِادعها عند أهلها وطالعن للاستراحة وما يدري عن ولده". لاحظوا كيف انتهى هذا التساؤل البسيط إلى ما يشبه قصة حياة مختصرة. "ضحكت في سري .. وتمتمت في نفسي قائلة "ما شاء الله أنتجوا مسلسلا لا ينقصه سوى مخرج " .
كلتاهما تفنن في تأليف القصة وضع لها خلفيات ودوافع على حسب ما يصور لها خيالها وليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي أنعم بسمع مثل هذه اللقافات ففي كل مكان هناك نماذج أشد سياطا من تلك التي سمعتها في هذا الموقف.
هذه العادة أصبحت مستفحلة في مجتمعنا وبشكل كبير، وفي كل مكان أسمع :"أكيد هم يقولون كذا , أكيد هذا كذا . لا ما أظن هذا زوجها, شكل هذي جدتهم .. شكلهم توهم جايين من السفر .. أظنهم من هالمنطقة .. لا يمكن كذا" المواقف و الأحداث التي تحصل لا حصر لها وإن كان الإنسان سيعلق على كل ما يراه فلن ينتهي من القيل والقال.
أدهى من هذا وأمر حين يبادر المرء بنصح غيره لترك تلك "اللقافات" ونبذ هذه العادة فلن يجد حينها إلا ما يسوؤه وستنهال عليه قذائف كلامية تخدش الذوق والاحترام قبل الإحساس ولكن لا يهم أن عارضوني ما دمت مقتنعة بخطأ هذا الفعل ومؤمنة بأن الأغلبية توافقني. وأتساءل أهذه ظاهرة طبيعية ..! هل وحدي أراها تصرفات خارجة عن العادة والمألوف ..؟ لطالما سألت نفسي لم يبحثون عن أجوبة لأسئلة لم تطرح ..!
لكن الذي توصلت إليه بعد المعارك الكلامية التي تدار بيني وبين من يحلو لي وصفهم بـ " الملاقيف" أنه ما يلي :
1-بعض الناس يحب تأليف القصص على كل ما يشاهده ويسمح لخياله بتصوير أحداث التقط بعض صورها من الواقع.
2- أن هذه الظاهرة مستفحلة لدينا نحن بنات حواء و أدم لا ..بل تكاد لا ترى عندهم، وهذه وجهة نظري .
3-أعتقد أن "اللقافة" غالبا ما تنشأ نتيجة الخيال اللا إرادي والذي يخرج من تلقاء إطالة النظر والمراقبة للناس فيبدأ هذا "الملقوف" يتحدث عما يراه ومن هنا ينشأ التأليف واعتقد أيضا وبما أني عاشرت أناس "ملاقيف".. اكتشفت أن عادة مقيتة تنتج من الفراغ أولاً ومن الشعور بالنقص ثانياً.
همسة : "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " حديث شريف.