حتى أنظر في عمله أعمِلَ ما أمرته أم لا!

'' أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل, أكنت قضيت ما علي؟ قالوا: نعم.
قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا.
نهج في الإدارة عمل به خليفة راشد عاش قبل 14 قرناً. نهج لم يتعلمه من منظري الإدارة الحديثة وواضعي أسس نظرية الإدارة بالأهداف أو غيرها من مختلف النظريات والمدارس في الإدارة. نهج عمل به لما يعتمل في نفسه من صدق في المعاملة علمته إياه عقيدته الإسلامية الصافية وحافظت عليه فطرة لا تسعى وراء جاه ولا مال وأدركت قيمته وأثره حنكة بنتها مدرسة محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبي الهدى والرحمة والصدق وحسن التعامل البشري.
وإذا ما نظرنا في كلمات الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الموجزة والمليئة بالمعاني الكبيرة, وجدنا أنها تتضمن أهم أسس الإدارة الإنسانية الواعية الهادفة في مجال اختيار العاملين وكيفية التعامل معهم, وهي:
أولاً: أن يكون من يقع عليه الاختيار, لشغل وظيفة أو يكلف بمهمة, خير من يعلمه الموكل إليه الاختيار حسبما يتهيأ من سبل ووسائل.
ووسيلة عمر ـ رضي الله عنه ـ، كما وردت في مقولته هذه, أنه اعتمد على توثقه الشخصي من صلاحية المرشح للوظيفة المراد شغلها بمن هو أهل لها للقيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها, وتلك المعرفة الشخصية, من قبل صاحب القرار, هي مرمى كل الوسائل والسبل التي تتبع للكشف عن الجدارة.
ثانياً: تحديد نوع الوظيفة وواجباتها وأسلوب التعامل مع من وجدت هذه الوظيفة لمعاونته أو خدمته في حدود صلاحية تكفي لتسيير العمل بشكل مرن. ولقد حدد الخليفة الوظيفة وعَرَّفها وألزم من يتم اختياره لشغلها بالتعامل بالعدل.
ثالثاً: متابعة سير العمل والتأكد من أنه قد أُدِّيَ بما يتطابق وما رُسم له, وتمثل هذه المتابعة جانباً مهماً من وظائف الإدارة التي لا يقتصر دورها على تحديد معالم الوظيفة ورسم حدود سير واجباتها بل يمتد إلى التأكد, بشكل دوري, من أن ما رسم قد طبق وما أمر به ينفذ.
وتكمن أهمية هذه المتابعة في الجوانب التالية:
1. التأكد من واقع التجربة من مدى ملاءمة مَن وقع عليه الاختيار لما اختير له.
2. التأكد من أن من أُوكلت إليه الوظيفة قد فَهِم ما يجب عليه من واقع تطبيقه الفعلي لما طلب منه.
3. التأكد والاطمئنان, بشكل دوري, من أن من تم تعيينه أو أُوكلت إليه المهمة ما زال ملتزماً بكل أخلاقياتها وقائماً بكل واجباتها. وهذا التأكد، بمعاييره الثلاثة, ليس عشوائياً ولا مزاجياً, بل يجري في ضوء وعي تام لا تشوبه محسوبية ولا تفسده مصلحة ذاتية.
ولا أعتقد أن أي وظيفة, مهما كبرت أو صغرت, تحتاج في الغالب إلى أكثر من ذلك ما دامت محددة ومعّرفة وحدد من واقع ذلك التعريف بمن يستطيع أن يؤديها أداء حسناً, ثم اختير ذلك الشخص اختياراً سليماً متوافقاً مع متطلبات الوظيفة وحُدِّدت واجباته ومسؤولياته وأعلم بالكيفية التي يتعامل بها مع من اختير لخدمتهم, ثم جرت متابعته بشكل دوري للتأكد من مدى فهمه لعمله وحسن أدائه له.
رحم الله عمر وسلفنا الصالح فلنا في كثير من سيرتهم وتعاملهم ما يغنينا عن بعض ما نحشو به عقولنا وتكتظ به مكتباتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي