صناعة الأدوية في سويسرا بين مطرقة التكنولوجيا الأمريكية وسندان شركات الدواء الآسيوية

صناعة الأدوية في سويسرا بين مطرقة التكنولوجيا الأمريكية وسندان شركات الدواء الآسيوية

صناعة الأدوية في سويسرا بين مطرقة التكنولوجيا الأمريكية وسندان شركات الدواء الآسيوية
يظل موقع سويسرا الريادي في الصناعة الدوائية راسخا بفضل السمعة الدولية. "رويترز"

يعود الموقع المتميز لصناعة الأدوية في سويسرا، والتي تعتبر رائدة عالميا في هذا المجال، إلى مزيج فريد من الثروة البحثية والاستثمارات المالية الضخمة والتعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص. فالصناعة الدوائية في سويسرا لا تمنحها فقط مكانة علمية استثنائية، بل تشكل أيضا أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد الوطني.

تشير البيانات الرسمية إلى وجود نحو 700 شركة دوائية في البلاد، بعضها يعد من الأكبر عالميا، كما تسهم الصناعات الدوائية والبيولوجية بما يقارب 132 مليار دولار من إجمالي الصادرات السويسرية، أي ما يتجاوز 38% من إجمالي الصادرات.

وتوفر الصناعة وظائف مباشرة لنحو 100 ألف شخص، فيما يصل عدد العاملين غير المباشرين إلى 300 ألف. وإلى جانب ذلك، تعد الصناعات الدوائية من القطاعات كثيفة رأس المال، ما يضمن تدفقات مالية مستمرة تعزز من موقعها الفريد في الاقتصاد السويسري.

إلا أن هذه المكانة المتميزة باتت تواجه جملة من التحديات التي تثير تساؤلات حول مستقبلها على المدى الطويل. فالتوسع السريع للتكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي يهدد بإعادة تشكيل مراكز الابتكار الدوائي عالميا، في الوقت الذي تتصاعد فيه المنافسة من الشركات الآسيوية التي تستفيد من انخفاض تكلفة الإنتاج. كما أن دخول شركات التكنولوجيا العملاقة مثل "أمازون" و"جوجل" إلى مجال الصناعات الدوائية يمثل تحديا لا يستهان به.

التحديات تعيد ترتيب موقع سويسرا
الدكتورة إميلي أوبراين، أستاذة الكيمياء الصيدلية، اعتبرت أن هذه التحديات تعيد ترتيب موقع سويسرا على الخارطة الدوائية، لكنها تستبعد فقدانها للريادة.

وقالت لـ "الاقتصادية" إن الخبرات العلمية المتراكمة لدى الصناعات الدوائية السويسرية ليس لها مثيل حتى في الولايات المتحدة، ومع ضخامة رؤوس الأموال والكفاءات الإدارية التي تقودها، تمتلك هذه الصناعة مرونة كافية لإعادة التموضع ضمن الإطار الدولي.

لكن وجهة نظر عدد من الخبراء الاقتصاديين تبدو أكثر حذرا. ورغم قوة الصناعة السويسرية، فإنها تواجه تحديات جادة بعضها تقليدي وبعضها جديد قد يؤثر على قدرتها في الحفاظ على الصدارة.

بروز لاعبين جدد
أشار مارك وندسور الباحث في الاقتصاد الأوروبي خلال حديثه إلى "الاقتصادية"، إلى بروز لاعبين جدد يتمتعون بكفاءة إنتاجية تضاهي سويسرا، لكن بتكاليف أقل بكثير.

وقال وندسور: "خلال العقود الأخيرة ظهرت شركات صينية وهندية قادرة على إنتاج أدوية تقليدية بتكلفة منخفضة، مستفيدة من وفورات الإنتاج الضخم ومواقع التصنيع القريبة من المواد الخام. والأهم أنها تركز غالبا على الأسواق المحلية، ما يمنحها ميزة تنافسية إضافية".

لكن بعض الخبراء يعتقدون أن التحدي الأكبر قد لا يأتي من آسيا، التي يظل تطورها التكنولوجي محدودا نسبيا، بل من شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة التي بدأت تقتحم الصناعات الدوائية والبيولوجية المتطورة. فهذه الشركات لم تعد تنظر إلى القطاع الصحي كنشاط ثانوي، بل تستثمر مواردها المالية الهائلة وخبراتها التقنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، في البحث عن فرص لزيادة أرباحها. ويأتي ذلك إما من خلال شراكات مع شركات أدوية صغيرة متخصصة أو عبر بناء قدراتها الخاصة في تطوير الأدوية.

تعاون بين الطرفين في النهاية
أوضح لـ "الاقتصادية" الدكتور إيبسون كلارك، أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة شيفيلد، أن المنافسة بين شركات الدواء السويسرية وشركات التكنولوجيا الأمريكية قد تفضي في النهاية إلى تعاون بين الطرفين.

وأضاف:"المنافسة المباشرة ستؤثر سلبا في أسعار الدواء وهوامش الربح، ما قد يمنح الشركات الآسيوية فرصة لتوسيع حصتها في السوق العالمي، وهو سيناريو يمثل خسارة مشتركة لكل من شركات التكنولوجيا والصناعات الدوائية السويسرية".

في المحصلة، يظل موقع سويسرا الريادي في الصناعة الدوائية راسخا بفضل السمعة الدولية التي تتمتع بها منتجاتها، والجودة العالية، والموثوقية، ورؤوس الأموال الضخمة، إلى جانب قدرتها الابتكارية الفريدة. لكن مواجهة المنافسين الجدد لن تكون ممكنة من دون تبني إستراتيجيات أكثر مرونة تأخذ بعين الاعتبار التحولات التكنولوجية والتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها صناعة الدواء عالميا.

الأكثر قراءة