«المرتزقة».. ورقة أمريكا الأولى لاستمرار بقائها في العراق وأفغانستان

القوة الأمريكية تتجسد في براعة الإعلام الأمريكي في رسم الصور وقدرة الولايات المتحدة على تشكيل الاتجاهات العالمية اقتصاديا.
فيما يتعلق بالبراعة الإعلامية نراها في حملات التمهيد للحرب أو الضغوط مثلما فعلت في أفغانستان والعراق، حيث أقنعت الكثيرين بأن محاربة هاتين الدولتين هي الخلاص للعالم كله، والشيء نفسه تفعله مع إسرائيل بخصوص إيران.
فيما يتعلق بتشكيل وتغيير وتثبيت الاتجاهات العالمية وفق هواها نذكر دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في إملاء سياسة الاقتصاد المفتوح أو اقتصاد السوق القائم أساسا على تنشيط الاستهلاك وفرض ذلك على دول بلا بنية أساسية أو صناعية وجعلت ذلك أولوية هذه الدول البائسة واحتفظت لنفسها بحق حماية بضائعها ومنع الإغراق وفرض الرسوم الجمركية على منسوجات الغير - وغير ذلك.
من نتيجة ذلك هاجت التطلعات الاستهلاكية تحت مظلة السوق المفتوح ووقع الفقراء في مزيد من الفقر. وعندما يجتمع هذان الأمران فإن النتيجة الحتمية هي سعي مواطني الدول الفقيرة بل المطحونين من المواطنين الأمريكيين إلى تأجير أنفسهم كجند مرتزقة، وهذا ما نراه في العراق وأفغانستان.
قبل أن نخوض في تفاصيل المرتزقة العاملين في صفوف الأمريكيين نذكر القارئ الموقر أن جميع إمبراطوريات العالم القديم قامت على أكتاف المرتزقة، فالإمبراطورية المصرية القديمة والآشورية والبابلية والحيثية واليونانية والرومانية بصفة خاصة اعتمدت بصفة أساسية على الجند المرتزقة. وكانت أعتى الفرق الرومانية الفرقة الإفريقية ببشرتها السوداء، وحارب الإسكندر من قبل الرومان بفيالق مرتزقة سحق بها الفرس والشرق بأكمله. وكانت الحروب الصليبية أكبر ساحة للمرتزقة، وبغض النظر عن الصليب الذي اتخذوه شعارا ورسموه على الدروع، كان من يأتي من أوروبا الفقيرة أولئك الذين ضاقت بهم سبل العيش. والمماليك الذين حكموا الشرق زهاء 400 عام هم جند مرتزقة والجيوش العثمانية كانت تضم الكُرج (الجورجيين) والبوشناق والعرب وجميع ربوع البلقان إلى جانب القوقازيين. وكانت فرق الانكشارية فرقا مرتزقة. وأعظم قصة للمرتزقة هي قصة الإمبراطورية البريطانية التي جمعت 33 جنسية في جيوشها ولذلك كان أهم فرقة في الجيش البريطاني هي الشرطة العسكرية التي كانت تضم الإنجليز والأسكوتلانديين والأيرلنديين والويلزيين إلى جانب بعض الكنديين والأستراليين، لتحقيق الربط والضبط بين مرتزقة إفريقيا والهند من الذين أطالوا عمر الإمبراطورية، أما الفرقة الأجنبية الفرنسية فقد حاربت في فيتنام وإفريقيا والجزائر بصفة خاصة.
ومن الواضح أن الورقة التي لعبت بها واشنطن هي ورقة المرتزقة. فقد كان صدام حسين يراهن على أن عودة أكياس البلاستيك بجثث الأمريكيين ستثني الأمريكيين عن عزمهم على مهاجمته، ولكن الأمريكيين حاربوا بجيش أكثر من نصفه من المرتزقة الذين لا يبكي عليهم أحد إذا ماتوا. واستمر الوضع حتى دقت ورقة التكلفة ناقوس الإنذار، فقد ثبت أن تكلفتهم اقتربت من 110 مليارات دولار، وهو رقم هائل في ظل الأزمة المالية التي يحاول أوباما حلها. وتسمي وزارة الدفاع الأمريكية المرتزقة بأسماء إعلامية أنيقة مثل ''المتعاونين المدنيين'' أو ''المتعاقدين المتخصصين''. والمعروف أن المرتزق عديم الأخلاق العسكرية فهو إما قاتل وإما مقتول، وقد ارتكبوا عديدا من الفظائع بمباركة دافعي أجورهم. وقد تضاعفت أعداد المرتزقة حتى زادوا على أعداد القوات النظامية، وفي تقرير لهيئة أبحاث الكونجرس بعض الأرقام والإحصائيات المهمة:
في أفغانستان: 50 ألف جندي أمريكي مقابل 169 ألف متعاقد مرتزق، بين أفغاني وأمريكي وأجنبي من جنسيات أخرى والمرتزقة هنا 57 في المائة.
في العراق: 132 ألف مرتزق منهم 40 ألف أمريكي و60 ألفا من دول أخرى. والمرتزقة هنا 49 في المائة.
المحليون المتعاقدون مع الأمريكيين في أفغانستان يمثلون 57 في المائة وفي العراق 27 في المائة.
وتتوزع أعمال هؤلاء على القتال (58 في المائة) وأعمال البناء (15 في المائة) والأمن ( 8 في المائة) والترجمة ( 7 في المائة) إلى جانب النقل والاتصالات. ويقدر مكتب الميزانية التابع للكونجرس أن تكلفة الاستعانة بالمرتزقة بلغت ما يقرب من 80 مليار دولار في الفترة من 2003 إلى 2007 و30 مليارا في العام المالي 2007/2008.
لذلك جاءت توقعات الضغط على الأمريكيين بزيادة قتلاهم غير دقيقة لأن المرتزق لا يصح قانونا التحقيق في موته لأنه تعاقد على ذلك. وثمة نقطة أخيرة قد أسمح لنفسي باعتبارها جزءا من تجنيد المرتزقة وتتمثل في منح الجنسية العشوائية لأبناء دول أخرى ومهاجرين جدد (750 ألف أجنبي)، وقد أثبتت حرب الخليج الثانية وغزو العراق أن هؤلاء الحالمين بالحلم الأمريكي كانوا وقود معارك ورافعي أعلام الهيمنة الأمريكية.. مجانا!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي