نابليون .. لينكولن .. ابن سعود .. كيف حققت السعودية في قرن ما عجز عنه الغرب في 3 قرون؟
نابليون .. لينكولن .. ابن سعود .. كيف حققت السعودية في قرن ما عجز عنه الغرب في 3 قرون؟
تنفس الشاب الفرنسي نابليون بونابرت الصعداء بعد أن سيطر على مرتفعات "ليجوليت" مجبرا القوات البريطانية على الانسحاب من أمامه في حصار "طولون" عام 1793، ومع احتفاله برفقة جنوده بترقيته إلى رتبة "جنرال" وهو في الرابعة والعشرين من عمره، استمر طيلة 15 عاما في فرض سيطرته على القارة العجوز بالحروب والحصار الاقتصادي والتحالفات، حتى تمكن من جعل فرنسا دولة عظمى تتحكم في مصير 70 مليون مواطن أوروبي.
بيد أن الإمبراطورية التي استغرق بناؤها قرنا ونصف القرن انهارت سريعا بسبب الأزمات وانتهت تماما في الحرب العالمية الثانية على يد الألمان.
حظ إبراهام لينكولن كان أكثر سوءًا، فباعتباره رئيسا أمريكيا ضد تحرير العبيد سرعان ما نشبت المعارك بين الولايات المتحدة في عصره فيما بات يعرف بالحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، ولكي يعيد توحيد البلاد اضطر "لينكولن" إلى خوض معارك شرسة ضد مواطنيه، أسفرت في النهاية عن 750 ألف قتيل وأكثر من 1.5 مليون جريح، وبسببها ظلت أمريكا دولة عادية تحاول أن تجد لها موطئ قدم بين الكبار حتى الحرب العالمية الثانية حين أنهكت الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فاستغلت واشنطن الفرصة لفرض سيطرتها على العالم من خلال الموارد المالية والأسلحة المتطورة من ناحية، وبعض الحروب التي خاضتها من ناحية أخرى، لتصل إلى غايتها بعد نحو قرنين ونصف من اكتشافها وتصبح دولة عظمى منذ ذلك الوقت.
قديمًا اختار القيصر الروسي بطرس الأكبر (1682-1725) التوسع العسكري ليصنع من بلاده إمبراطورية وهو ما حدث بعد معارك عدة مع دول البلطيق، لكن مع أول اختبار حقيقي في الحرب العالمية الأولى انهارت الجبهة الداخلية الروسية وتكبد جيش الاتحاد خسائر كبيرة عجلت بقيام الثورة البلشفية 1917 التي حافظت على إرث الإمبراطورية لكن بسياسة مركزية اعتبرتها الدولة الطريق الوحيد للنهضة، ورغم النجاح الذي حققته الثورة في عقودها الأولى لكن سياسات التخطيط المركزي نتج عنها ضعف الإنتاجية ونقص السلع الأساسية وزيادة معدلات الفقر لتتفكك في عام 1991 بعد قرون من السيادة الأوروبية.
سار ماو تسي تونج مؤسس الصين الشعبية 1949 على نفس نهج رفاقه في الاتحاد السوفيتي فاتبع سياسة التخطيط المركزي، لكن سياسته التي عرفت بـ"القفزة الكبرى للأمام" فشلت بعد 10 سنوات وأدت إلى مجاعة راح ضحيتها نحو 15 مليون صيني في أقل التقديرات، ولم تنهض بكين مرة أخرى إلا على يد الزعيم دنج شياو بينج الذي غيّر من السياسات واعتمد على "المناطق الاقتصادية" وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وهي سياسة استمرت خلال 6 عقود وحولت الصين إلى دولة كبرى، ففي عام 2010 ظهر للعالم ما بات يعرف بـ"الصين العظمى" باقتصاد احتل المركز الثاني بناتج قومي 18 تريليون دولار، وتفوق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة مع علاقات تجارية مع معظم دول العالم وجيش ضخم ينافس أقوى الجيوش.
الجارة اليابانية اتخذت مسارا مختلفا، إذ استفادت من الإصلاحات السياسية التي أجراها الاحتلال الأمريكي (1945-1952) والمساعدات المالية التي بلغت ملياري دولار بقيمة هذا الوقت، لتصنع نهضتها من جديد بعد أن دمرت تمامًا في الحرب العالمية الثانية، ومع تبني قيمة العمل والانضباط والتركيز على صناعات بعينها مثل السيارات والإلكترونيات، تمكنت طوكيو خلال 3 عقود من أن تصبح قوى عظمى اقتصاديًا فاحتلت في سبعينيات القرن الماضي المركز الثاني في قائمة الاقتصادات العالمية بعد الولايات المتحدة مباشرة، وهو تصنيف استمر حتى سنوات قليلة حين هبطت إلى المركز الثالث لصالح الصين، إضافة إلى بعض التحديات التي تواجهها مثل نقص الأيدي العاملة وتراجع نسب النمو ومعدل الإنجاب، وهو ما يتزامن مع مستوى قياسي غير مسبوق للدين العام الذي بلغ 8.7 تريليون دولار بحلول نهاية 2024 وفق وزارة المالية.
مقارنة بالتجارب السابقة تعتبر السعودية أنموذجا عالميا مختلفا في التحول التنموي الوطني خلال أقل من 100 عام، منذ اللحظة التي وحّد فيها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود البلاد عام 1932، استفادت البلاد بفضل إيمان وحكمة قادتها الذين استثمروا في شعبهم حتى بنوا أبراجا شاهقة فوق كثبان الرمل الذهبية واستبدلوا براميل النفط بالطاقة المتجددة، إلى أن أصبحت السعودية البلد الأسرع نموًا في مجموعة العشرين عام 2023 محتلا صندوقها السيادي المركز الرابع عالميا والأول من حيث الحوكمة والاستدامة وأيضا الشفافية، من خلال نظام يضع في أولوياته مصلحة المواطن السعودي ورؤية 2030 التي أشار إليها أخيرا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خطابه الملكي أمام مجلس الشورى قائلا: "لن نتردد في إلغاء أو تعديل أي برامج أو مستهدفات تحقيقاً للمصلحة العامة".