هل تتخلى الهند والصين عن نفط روسيا الرخيص أمام حملة ترمب على المشترين؟
بينما فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رسوما جمركية إضافية نسبتها 25% على واردات بلاده من الهند، متعللا بأن الإجراء يشكل عقابا لنيودلهي على شرائها النفط الروسي، تشير تقارير إلى أن الصين قد تلحق بالقائمة وتلقى هي الأخرى عقوبات أمريكية للأسباب ذاتها.
يمثل البلدان الآسيويان أكبر مشتريين للنفط الروسي، حيث يصل حجم مشتريات الصين إلى 2.4 مليون برميل يوميا وتبلغ واردات الهند اليومية 1.9 مليون برميل، وفقا لتقرير نشرته "دويتشه فيله".
حجم مشتريات الهند من النفط الروسي كان قد زاد بنحو 19 ضعفا خلال الفترة من عام 2021 إلى 2024، بينما ارتفعت مشتريات الصين بنسبة 50% لتصل إلى مستواها الحالي.
في ضوء هذا المشهد، تحذر تقارير اقتصادية ومحللون دوليون من تداعيات الحملة الأمريكية ضد تجارة النفط الروسية على الأسواق العالمية، خاصة على الاقتصادين الآسيويين الكبيرين، اللذين تعهدا بحماية أمنهما في مجال الطاقة وسيادتهما الاقتصادية ضد ما وصفته بكين بـ"الإكراه والضغط" من الولايات المتحدة.
الهند تتهم الغرب بـ "النفاق" ولا أفق لتبدل موقفها
وفرت الهند ما يصل إلى 33 مليار دولار من تكاليف الطاقة بين عامي 2022-2024، حيث عرضت موسكو تخفيضات كبيرة في الأسعار، عندما قلصت الولايات المتحدة وأوروبا اعتمادهما على النفط والغاز الروسيين، بحسب تقرير لـ "تشينا بوست".
بحسب التقرير، أشارت نيودلهي إلى أن واشنطن دعمت بنشاط مشترياتها من النفط الروسي، التي زادت بعد فترة وجيزة من الحرب في أوكرانيا، للمساعدة على استقرار أسعار النفط العالمية.
سياسة الهند طويلة الأمد، المتمثلة في موازنة العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا والصين دون إعطاء الأولوية لأي طرف، دعمت قرار شراء النفط الخام الروسي المخفض، مع "إعطاء نيودلهي الأولوية لأمن الطاقة والقدرة على تحمّل التكاليف".
وبينما انتقدت الهند صراحة القرار الأمريكي، فقد اتهمت الغرب بالنفاق، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يواصل استيراد الطاقة الروسية على الرغم من تقليل اعتماده عليها بشكل كبير منذ بدء الحرب.
يضع القرار الأمريكي دبلوماسية نيودلهي النفطية أمام أكبر اختبار لها منذ سنوات، بحسب تقرير لوكالة "بلاتس" الدولية لمعلومات الطاقة، إذ من المؤكد أن من شأنه خفض توقعات النمو الاقتصادي في الهند. وقد يظهر التأثير في نمو الطلب.
لكن من غير المرجح أن تتراجع نيودلهي عن موقفها بشأن مشترياتها من أكبر مورد خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" حتى الآن، حيث قالت الوكالة "إنها ما زالت تعتقد أن النفط الروسي سيستمر في التدفق إلى الهند، على الرغم من أن زيادة تدفقات النفط الخام من الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزها".
قرار ترمب سيدفع في المقابل صناع السياسات في الهند إلى تقييم التداعيات الاقتصادية والموازنة بين دفع رسوم جمركية إضافية على سلع أخرى متنوعة، مع الاستمرار في شراء النفط الروسي، بحسب التقرير.
قالت وزارة الخارجية الهندية: "لقد أوضحنا بالفعل موقفنا بشأن هذه القضايا، بما في ذلك حقيقة أن وارداتنا تستند إلى عوامل السوق، ويتم تنفيذها بهدف عام يتمثل في ضمان أمن الطاقة لـ 1.4 مليار نسمة في الهند. لذلك، من المؤسف للغاية أن تختار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على الهند بسبب إجراءات يتخذها أيضا عديد من الدول الأخرى بما يخدم مصالحها الوطنية".
الصين "لن تتوقف" عن شراء النفط الروسي الرخيص
لم يحاول ترمب حتى أن ينفي احتمال فرض رسوم إضافية مماثلة على الصين كالتي فرضها على الهند، وللسبب ذاته، حيث قال للصحفيين إن هذا "قد يحدث". كما كان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد حذّر الصين الأسبوع الماضي من أنها قد تواجه أيضا رسوما جمركية جديدة إذا استمرت في شراء النفط الروسي.
ألكسندر شورين، مدير شركة "روسكا " الأمريكية لحلول الطاقة، قال لـ"الاقتصادية" إنها بينما يضغط ترمب لوقف شراء النفط الروسي "يبدو أن التجارة النفطية بين الدول الثلاث (الصين والهند وروسيا) مزدهرة عبر ما يسمى بأسطول الظلّ أو الصفقات البعيدة عن أعين الجهات الدولية المعنية بتتبع السفن".
روس كيندي، العضو المنتدب لشركة "كيو إتش ايه" لخدمات الطاقة، أوضح بدروه لـ "الاقتصادية" أن النفط الروسي الرخيص "يفيد بالتأكيد مصافي التكرير في تلك الدول، عبر تلبية احتياجاتها من الطاقة. ولا يبدو أن هناك أي استعداد لوقف هذه الممارسة".
ويؤكد آرفي ناهار، مدير شركة "ناهار" لاقتصادات الطاقة، أن تدفق النفط بين الصين وروسيا ضروري لكلا البلدين، متوقعا ألا تتوقف الصين عن الشراء، وفقا لما قاله لـ "الاقتصادية".
تقرير وكالة "بلاتس" ذكر كذلك أنه حتى في مواجهة تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية إضافية يتوقع المحللون أن الصين لن تتوقف عن شراء النفط من جارتها الشمالية بالنظر إلى علاقة التعاون في مجال الطاقة ذات المنفعة المتبادلة بينهما.
سيستمر إذن تدفق النفط من روسيا جنوبا على المدى الطويل، لأن "الأهداف الإستراتيجية للصين تتطلب إمدادا مستقرا وآمنا من الموارد الحيوية مثل النفط". وسيستمر النفط المستفيد الأكبر، حيث انتعشت أسعاره بعد تصعيد ترمب ضد الهند.