طلبات الأفراد تستحوذ على 56% من سوق الطرود السعودية .. المعاناة "الميل الأخير"
تواجه شركات النقل السريع العاملة في السعودية تحدي "الميل الأخير"، الذي يظل من أكثر مراحل التوصيل تعقيدا، نظرا لتزايد حجم الشحنات، وصعوبة تحسين المسارات، وجودة العناوين خصوصا في المناطق الريفية والنائية، وفق ما ذكرت شركات كبرى عاملة في القطاع لـ"الاقتصادية".
وأكدت كل من شركتي "أرامكس" و"ناقل" وهما شركتان عاملتان في السوق السعودية، أن القطاع لا يزال يواجه عددا من التحديات، رغم النمو اللافت في حجم التجارة الإلكترونية، مثل التقلبات المفاجئة في الطلب وما تشكله التكاليف التشغيلية المرتفعة، وعلى رأسها أسعار الوقود والضرائب وتكاليف العمالة، من ضغوط على الشركات، ولم تفصح أي من الشركتين عن عدد الشحنات اليومية أو السنوية التي تنقلها.
وقالت "ناقل": "إن أبحاث السوق تشير إلى أن قطاع B2C -نموذج عمل يتمثل في بيع الشركات المنتجات أو الخدمات مباشرة إلى المستهلكين، بدلاً من بيعها لأغراض أخرى- يهيمن على سوق البريد السريع والطرود في السعودية، حيث يمثل نحو 56% من إجمالي قيمة السوق في عام 2024، ما يعني أن الأغلبية العظمى من الطرود هي سلع استهلاكية موجهة للأفراد
وتعد "أرامكس" واحدة من أكبر الشركات العالمية في قطاع اللوجستيات وتضم أكثر من 17 ألف موظف موزعين على 600 مكتب في 65 دولة حول العالم، بينما تعتبر "ناقل" شركة لوجستية سعودية تأسست عام 2005 نتيجة شراكة بين القطاع الخاص ومؤسسة البريد السعودي "سبل".
وترى الشركات أن المنافسة المفتوحة بين عدد كبير من المشغلين دون ضوابط واضحة تسهم في التفاوت الكبير في الأسعار وجودة الخدمة. أما في السوق الدولية، فقد زادت الضغوط التنافسية بعد دخول شركات آسيوية، خصوصا الصينية، بأسعار منخفضة أحيانا.
سوق الطرود البريدية في السعودية يتوقع أن تسجل نموا سنويا يصل إلى 8% من حجمه البالغ حاليا 7 مليارات ريال، بدعم من ازدهار التجارة الإلكترونية، بحسب أحدث دراسات "موردور إنتليجنس" المتخصصة في القطاع.
التسعير يعتمد على الوزن والأبعاد
وحول سياسات التسعير، أوضحت الشركات أن التكاليف التشغيلية تمثل العامل الأهم في تحديد أسعار النقل والتوصيل، وتشمل هذه التكاليف، الوقود، أجور السائقين، رسوم الطرق، الصيانة، والتأمين، كما تختلف باختلاف المناطق داخل السعودية نظرا لطبيعة المسافات الطويلة بين المدن.
ولفتت إلى أن التسعير يعتمد أيضا على وزن وأبعاد الشحنة، أو ما يعرف بالوزن الفعلي والحجمي Dimensional Weight: بحيث لا تقتصر التكلفة على الوزن الفعلي فقط، بل تعتمد أيضا على الوزن الحجمي (الكثافة)، إذ تحسب شركات الشحن التكلفة بناء على الأكبر بينهما، لأن المساحة التي تشغلها الشحنة في وسيلة النقل مهمة بقدر وزنها.
والشحنات الكبيرة جدا أو الثقيلة جدا أو ذات الشكل غير المنتظم تتطلب معالجة خاصة ومركبات أكبر، ما يزيد من التكلفة.
تكاليف تراوح بين 10 و 800 ريال
تتباين تكلفة الشحن في السعودية بشكل ملحوظ بين الشحن المحلي والدولي، إذ تعد الشحنات الدولية أعلى تكلفة بسبب تعدد العوامل المؤثرة في السعر، ففي الشحن المحلي، تراوح تكلفة إرسال شحنة صغيرة (حتى 15 كيلوجراما) بين 25 و60 ريالا للوجهات الرئيسية، مع وجود عروض اقتصادية تبدأ من 10 ريالات وتصل حتى 45 ريالا حسب شركة الشحن ونوع الخدمة.
أما الشحن الدولي، فتبدأ أسعار الشحن الجوي السريع من السعودية أو إليها من 250 ريالا للشحنات الصغيرة (1–3 كيلوجرامات)، وقد تتجاوز 800 ريال، اعتمادا على الوجهة وسرعة الخدمة، فضلا عن رسوم جمركية وضرائب وتأمينات ترفع التكلفة النهائية بشكل كبير، في حين تفرض بعض شركات الشحن الدولي حدا أدنى للتكلفة للشحنات الواردة أو الصادرة يصل إلى 500 ريال أو أكثر، أو مبلغ معين لكل كيلوجرام.
وتعزى هذه الفجوة السعرية إلى عوامل تشمل المسافات الطويلة، وتعدد جهات المناولة، وتعقيد إجراءات التخليص الجمركي، إضافة إلى تقلبات أسعار الوقود والعملات.
ارتفاع الطلب في المواسم
وأشارت كل من أرامكس وناقل إلى أن السوق السعودية تشهد تفاوتا موسميا ملحوظا في الطلب، يرتبط غالبا بالمناسبات الدينية والوطنية، ومواسم التخفيضات والعطلات. وتُعد فترة رمضان وعيدي الفطر والأضحى من أكثر المواسم ازدحاما في الطلب على الشحن والتوصيل، تليها مواسم الحج والعمرة، ثم العودة إلى المدارس.
كما تشهد مواسم التخفيضات مثل "الجمعة البيضاء" ونهاية العام نشاطا كبيرا، خاصة في قطاعات الإلكترونيات والأزياء، ويصاحب اليوم الوطني السعودي (23 سبتمبر) وموسم الصيف أيضا ارتفاعا ملحوظا في الطلب على الخدمات، خاصة في قطاع السياحة والسفر.
وخلال شهر رمضان قبل الماضي، تجاوز عدد الشحنات المسلمة 14 مليون طرد، بزيادة بلغت 56% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعكس النمو الكبير في الاعتماد على خدمات التوصيل، خاصة خلال المواسم.
"أرامكس" أوضحت أن أي ارتفاع في أسعار الوقود ينعكس بشكل مباشر على تكلفة الشحن لكل طرد، وهو ما يؤدي إلى تآكل هوامش الربح، خاصة إذا لم تتمكن الشركات من تمرير هذه الزيادة إلى العملاء.
ولمواجهة هذه التحديات، تلجأ الشركات إلى تحسين كفاءة التشغيل، من خلال اعتماد مسارات أقصر، واستخدام مركبات أقل استهلاكا للوقود، وتدريب السائقين على القيادة الاقتصادية، إضافة إلى الاستفادة من تقنيات تتبع الأداء واستهلاك الوقود.
وفي ظل المنافسة الشديدة داخل السوق، تضطر الشركات في كثير من الأحيان إلى خفض هوامشها للحفاظ على حصتها السوقية، ما يؤدي إلى تراجع صافي الأرباح، كما أن التغيرات في السياسات الجمركية تؤثر في التكاليف التشغيلية ومرونة العمليات، الأمر الذي ينعكس بدوره على أداء الشركات في القطاع اللوجستي.
الخبير المتخصص في قطاع الخدمات اللوجستية، نشمي الحربي قال لـ"الاقتصادية" في وقت سابق من 2025 "إن أبرز محفزات النمو في سوق الطرود، نمو التجارة الإلكترونية 42% بين 2019-2024، وتغير سلوك المستهلك السعودي مع ميل 77% للتسوق عبر الإنترنت".
وقال حينها "إن تكلفة الميل الأخير تمثل 28% من إجمالي تكلفة الشحن، وهي غالبا المرحلة التي تشهد التعامل السيئ مع الطرود وضعف التواصل مع العملاء، وفقدان أو ضياع الطرود.
وفي أبريل الماضي ألزمت الهيئة العامة للنقل في السعودية، كافة شركات نقل الطرود بعدم استلام أو نقل أي شحنة بريدية لا تتضمن العنوان الوطني اعتبارا من مطلع يناير 2026، في إطار جهودها لرفع كفاءة القطاع، وتحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين
نصف مليون شحنة يوميا
وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للنقل، شهد قطاع الطرود البريدية في السعودية نموا ملحوظا، ففي الربع الرابع من عام 2024، تم تسليم أكثر من 48 مليون طرد، بينما بلغ إجمالي عدد الشحنات في النصف الأول من العام ذاته نحو 85 مليون شحنة، بما يقارب نصف مليون شحنة يوميا، نقلتها أكثر من 70 شركة لوجستية مرخصة.
وتشير بيانات التجارة الخارجية إلى أن الطرود السريعة تشمل مجموعة متنوعة من البضائع، تتصدرها الأجهزة الإلكترونية، مثل الهواتف الذكية، الحواسيب، والأجهزة المنزلية، التي تُعد من أكثر المنتجات شيوعا في شحنات التجارة الإلكترونية.
كما تحتل قطع الغيار، المعدات الميكانيكية، والأدوية حصة كبيرة من الطرود الواردة، خاصة تلك ذات الطبيعة الحساسة التي تتطلب شحنا سريعا. وتُعد الملابس والأحذية من أبرز الفئات المتنامية بفضل ارتفاع الطلب عبر منصات التجارة الإلكترونية.
وشملت أبرز الواردات السعودية في العام الماضي - والتي يأتي جزء كبير منها عبر الشحن السريع والطرود - كلا من الآلات والمعدات بقيمة 26.18 مليار دولار، تليها المعدات الكهربائية والإلكترونية بـ19.67 مليار دولار، ثم المنتجات الصيدلانية بـ7.78 مليار دولار، والملابس بأنواعها بأكثر من 4 مليارات دولار، ثم المنتجات الكيميائية ومستحضرات التجميل بنحو 9.5 مليار دولار.
تؤكد الشركات أن التجارة الإلكترونية هي المحرك الرئيسي لنمو قطاع الطرود السريعة، حيث تتصدر الفئات الإلكترونية والملابس والتجميل قائمة السلع المرسلة.
الأزمات الجيوسياسية تزيد المسافة والوقت
وقالت "ناقل": "إن الأزمات الجيوسياسية، خاصة في مناطق مثل البحر الأحمر، أثرت بشكل مباشر في عمليات الشحن في السعودية. فقد ارتفعت أقساط التأمين نتيجة تصنيف بعض الممرات كمناطق عالية الخطورة، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في تكاليف الشحن".
كما أسهمت التحويلات الإجبارية لمسارات الشحن حول رأس الرجاء الصالح في تطويل مسافة الرحلة المقطوعة بما يصل إلى 50% ويزيد الوقت المستغرق بنحو أسبوعين، الأمر الذي رفع بدوره تكاليف الوقود والتشغيل، وأدى إلى تأخيرات كبيرة في التسليم واضطراب جداول التفريغ في الموانئ.
وأضافت: "أكثر من 20 شركة شحن بحري عالمية (تشكل نحو 52% من حركة الشحن العالمية) تجنب المرور عبر باب المندب والبحر الأحمر، ما أدى إلى تحويل مسار آلاف السفن".
وقد لجأ العديد من شركات الشحن العالمية إلى تجنب المرور عبر مضيق باب المندب، وهو ما سبب ضغطا على الموانئ البديلة وأربك تدفق التجارة العالمية. وتدرس بعض الشركات السعودية الاعتماد على بدائل برية لربط البحر الأحمر بالخليج العربي، رغم التكاليف الإضافية والتعقيدات اللوجستية.
وأدت هذه الاضطرابات إلى نقص في بعض السلع وارتفاع أسعارها، إضافة إلى تحفيز الشركات المحلية على مراجعة إستراتيجيات سلاسل الإمداد، وزيادة المخزون الاحتياطي لمواجهة التقلبات.
السعر النهائي للرسوم الجمركية على العميل
الشركات أوضحت أن الرسوم الجمركية تمثل أحد العوامل المؤثرة في تكلفة الشحن السريع داخل المملكة، إذ تُضاف إلى سعر المنتج، إلى جانب ضريبة القيمة المضافة البالغة 15%، ما يرفع السعر النهائي للعميل.
ويُعفى فقط الأفراد من الرسوم الجمركية على الشحنات الشخصية التي تقل قيمتها عن ألف ريال، بشرط ألا تكون بكميات تجارية، إلا أن هذه الشحنات لا تُعفى من ضريبة القيمة المضافة، ما يجعل التكلفة النهائية أعلى، حتى بالنسبة إلى الطرود الصغيرة.
أما الشحنات ذات القيمة الأعلى، فتُعامل كشحنات تجارية، ما يعني خضوعها لإجراءات جمركية كاملة، قد تؤدي إلى تأخيرات وتعقيدات في التخليص، خاصة في أوقات الذروة.
نمو سنوي 6 % في الشرق الأوسط
يُقدر حجم سوق الشحن والخدمات اللوجستية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بنحو 162 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بأن يتجاوز 235 مليار دولار بحلول 2030، مدفوعا بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 6.3%، وفقا لموقع Mordor Intelligence.
وتحتل السعودية موقعا بارزا في هذه السوق، مع تقديرات تشير إلى أن قيمة السوق اللوجستية داخل البلاد بلغت نحو 136.3 مليار دولار في عام 2024، وقد تصل إلى نحو 199 مليار دولار بحلول عام 2030.