شركات التكنولوجيا الكبرى تنفق 400 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي وتسرح آلاف الموظفين
سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي يتسارع، حيث ترفع شركات التكنولوجيا الكبرى استثماراتها الضخمة. وإذا نجحت هذه الرهانات، فسيستفيد المستثمرون، لكن بعض الموظفين سيحرمون.
تقول صحيفة "وول ستريت جورنال": "إنه من المتوقع أن تنفق شركات مثل جوجل التابعة لـ ألفابت، ومايكروسوفت، وأمازون، وميتا بلاتفورمز ما يقارب 400 مليار دولار هذا العام على النفقات الرأسمالية، ويخصص معظمها لبناء البنية التحتية اللازمة للذكاء الاصطناعي. تفوق هذه القيمة إنفاق الاتحاد الأوروبي على الدفاع في العام الماضي".
وتخطط هذه الشركات وغيرها لزيادة الإنفاق أكثر، إذ يتوقع بنك مورجان ستانلي إنفاقًا يصل إلى 2.9 تريليون دولار بين 2025 و2028 على رقائق الحواسيب وخوادم ومراكز البيانات. وبحسب البنك، قد تسهم هذه الاستثمارات بما يصل إلى 0.5% من نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة خلال 2025 و2026.
تعزز هذه الاستثمارات أرباح هذه الشركات، وتدفع أسعار أسهمها لتسجيل مستويات قياسية. قد ينظر وول ستريت بازدراء إلى إنفاق الشركات المبالغ، لكن الأمر مختلف هنا. فقد ارتفعت أسهم "مايكروسوفت" و"ميتا" الأسبوع الماضي بعد إعلان نجاحاتهما في الأرباح، وقد وصلت قيمتهما السوقية إلى 4 تريليونات دولار، تريليوني دولار تقريبا على التوالي.
كما شهدت "إنفيديا"، التي تصمم الرقاقات لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي، نموًا لافتًا، فقد كانت أول شركة تتجاوز قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار، وارتفعت أسهمها أكثر من 28% هذا العام.
تنفق الشركات ببذخ لأن الذكاء الاصطناعي يعد بإعادة تشكيل سوق التكنولوجيا المربحة. وتسعى هذه الشركات لأن تكون من رواد المجال. لكن الذكاء الاصطناعي يتطلب معالجة ضخمة للبيانات، ما يفرض إنفاقًا كبيرًا على بناء مراكز بيانات جديدة.
ومن المتوقع أن يعزز القانون "الكبير والجميل" الذي أُقر أخيرًا هذه الاستثمارات، لأنه يقدم إعفاءات ضريبية للشركات التي تُقدّم استثماراتها مقدمًا.
لكن حجم الطلب على البنية التحتية كبير جدًا لدرجة أن الشركات لا تمتلك السيولة الكافية لتمويله، وفقاً لتقديرات "مورجان ستانلي" التي تشير إلى فجوة تمويلية تبلغ 1.5 تريليون دولار.
من جهة أخرى، تكبد عديد من عمال هذه الشركات خسائر حقيقية، إذ سرح ما يقارب 100 ألف عامل منذ 2022، بحسب موقع لاي أوفز، من بينهم مهندسو البرمجيات، الذين بدأ عملهم يُستبدل بالذكاء الاصطناعي.
يعد هذا التحول ضربة قوية في هوامش الربح، كما قال جيل لوريا، المحلل في شركة "دي. إيه. ديفيدسون"، مشيرًا إلى أن تخفيض التكاليف يخفف وطأة الاستثمارات الطائلة.
لكن هل ستؤتي استثماراتها الضخمة ثمارها على المدى الطويل؟ يقول لوريا "إن أرباح الشركات لم تتماشَ حتى الآن مع نفقاتها المكثفة"، لكنه متفائل بأن زيادة الإنتاجية ستعوض الإنفاق في نهاية المطاف.
انخفضت أسهم "أمازون" 7% بعد ساعات التداول الخميس الماضي بعدما أظهرت نتائج الربع الأخير أن وحدة الحوسبة السحابية المسؤولة عن استضافة نماذج الذكاء الاصطناعي لا تنمو بمعدل أسرع من منافسيها الأصغر. مع ذلك، أعرب الرئيس التنفيذي آندي جاسي عن تفاؤله بتحسن أداء الوحدة قريبًا.
لم يُركز المستثمرون في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، مثل "أوبن أيه آي"، على مسألة الربحية بعد، ما دامت التقييمات آخذة في الارتفاع.
تقول بعض الشركات "إن استثمارات الذكاء الاصطناعي تخدم أعمالها الأساسية. فمثلا، "ميتا" تؤكد أن هذه الاستثمارات ترفع أسعار الإعلانات وتزيد استخدام تطبيقاتها.
لا تذهب النفقات الرأسمالية لشركات التكنولوجيا كلها إلى الذكاء الاصطناعي، فشركة أمازون تنفق أيضًا مليارات لتطوير شبكة اللوجستيات الخاصة بها، لكن نصيب الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا أكبر من إجمالي النفقات الرأسمالية.
أما "أبل"، فهي تخصص استثمارات أقل من نظيراتها على الذكاء الاصطناعي، ويقول مستثمرون إنها بحاجة إلى إستراتيجية ذكاء اصطناعي مقنعة ليستبدل المشترون أجهزتهم بإصدارات أجدد. لكن كفاءتها العالية في توظيف رأسمالها تستحق الإشادة. فهي تُحقق مبيعات وأرباحًا أكبر بكثير من نفقاتها الرأسمالية، مقارنةً بمنافسيها. وبفضل قاعدة موظفيها المحدودة، تجنبت الشركة تسريح أعداد كبيرة من الموظفين.
لكن داخل الشركة، يشعر بعض الباحثين بالإحباط، وفقًا لمطلعين. فهم يجدون صعوبة في الوصول إلى البيانات اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية بسبب السياسة المتشددة للشركة في حماية خصوصية المستخدمين. ولا تزال الشركة بطيئة الوتيرة، حيث تُصدر تحديثات للبرمجيات على أجهزتها مرتين فقط في السنة تقريبًا، مقارنة بمنافسيها الذين يطرحون تحديثات دوريا.
من جانبه، يستغل منافسها مارك زوكربيرج حالة الملل داخل وحدة الذكاء الاصطناعي في "أبل"، وبدأ يستقطب المهندسين الساخطين بأجور قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات، كما يقول أشخاص مطلعون.