استقلال البنوك المركزية بحاجة إلى دفاع أفضل

قد يكون المستثمرون مهووسين بهجمات دونالد ترمب على الاحتياطي الفيدرالي، إلا أن بنك إنجلترا يواجه أيضًا تدقيقًا سياسيًا متزايدًا، ما يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل استقلال البنوك المركزية.

شنّ الرئيس الأمريكي هجومًا لاذعًا على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في الأشهر الأخيرة، مطالبًا بخفض أسعار الفائدة وملمحًا إلى أنه سيعين بديلًا يُفترض أنه أكثر توافقًا معه في الرأي عند انتهاء فترة ولاية باول العام المقبل. 

في حين أن ترمب ليس أول رئيس أمريكي يحاول الضغط على الاحتياطي الفيدرالي منذ استقلاله رسميًا عن وزارة الخزانة عام 1951، إلا أن هجماته هي الأكثر علنية، وقد تسبب ذلك في بعض تذبذبات السوق. ذلك لأن التاريخ يُشير إلى أن السياسة النقدية المستقلة أفضل في ضبط الأسعار من سيطرة السياسيين على أسعار الفائدة، إذ قد يكون هؤلاء حريصين على إبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة مهما كانت الظروف. 

أثارت بعض تعليقات ترمب بشأن الاحتياطي الفيدرالي قلق سوق السندات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، لا سيما عندما كتب في أبريل أن إقالة باول "لا يمكن أن تأتي في وقت قريب بما فيه الكفاية". لكن يبدو أن المستثمرين اعتادوا بشكل متزايد على خطاب الرئيس، معتقدين أنه سيتراجع قبل القيام بأي شيء مُزعزع للاستقرار حقًا. لذا، قد لا يكون الاعتماد على الأسواق كضمان كافيًا. 

يُنصح الاحتياطي الفيدرالي بتجهيز دفاعاته قبل رحيل باول، وإحدى الفرص المتاحة للقيام بذلك هي مراجعته الإستراتيجية الدورية المقرر الكشف عنها هذا الخريف. جعلت المراجعة الأخيرة، في 2020، استهداف الاحتياطي الفيدرالي للتضخم أكثر مرونة، ما سمح بفترات من التضخم المرتفع بشكل معتدل لموازنة الأوقات التي ينخفض فيها عن المستوى المستهدف. في الوقت الذي يضغط فيه الرئيس الأمريكي على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، وينتهج سياسات تجارية قد تُسبب التضخم، من الحكمة أن يتخلى الاحتياطي الفيدرالي عن نهجه "المرن"، وأن يركز بدلاً من ذلك على تحقيق هدفه التضخمي في جميع الأوقات. سيُرسل ذلك رسالة واضحة إلى الشعب الأمريكي مفادها أن أولويته القصوى ستكون الحد من ضغوط تكلفة المعيشة التي تفاقمت منذ 2021، ما يُعزز شرعيته لدى الجمهور. 

الضغوط المالية على الجانب الآخر من المحيط، يواجه بنك إنجلترا أيضًا تساؤلات حول طريقة عمله. يقول حزب الإصلاح البريطاني المتمرد، الذي يحظى بتقدم ثابت في استطلاعات الرأي، إن البنك يُهدر مليارات الجنيهات من أموال دافعي الضرائب بدفع فوائد للبنوك التجارية على احتياطياتها، وعليه بالتالي التوقف عن ذلك. كما اقترح الحزب أن يكون مسؤول حكومي واحد أو أكثر عضوًا في لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا. ردّ محافظ البنك المركزي البريطاني، أندرو بيلي، في رسالة منشورة، مُجادلاً بأنه في حال عدم دفع سعر الفائدة الرسمي على الاحتياطيات، سيُعيق انتقال السياسة النقدية إلى الاقتصاد الحقيقي، وستُغري البنوك بتخفيض تلك الاحتياطيات، ما قد يُشكّل خطراً على الاستقرار المالي. كما قدّم دفاعاً مُقنعاً عن الفوائد المُستمرة للتيسير الكمي، إضافة إلى تكاليفه. 

والأهم من ذلك، أنه إذا فرضت هذه الحكومة، أو حكومة مُستقبلية، تغييراً على نظام احتياطيات بنك إنجلترا، فسيكون ذلك بمنزلة "هيمنة مالية"، حيث تؤثر الديون الحكومية المرتفعة في طريقة عمل البنك المركزي. وبمجرد كشف هذا الأمر، قد يُثير تكهنات بأن تغييرات أسعار الفائدة تتأثر بالعامل نفسه، وهو ما يُمثّل تحذيراً كبيراً للمستثمرين. 

مراجعة شاملة أجرت حكومة المملكة المتحدة آخر مراجعة شاملة لصلاحيات البنك قبل عقد من الزمن. بالنظر إلى كل ما حدث منذ ذلك الحين - خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكوفيد-19، وأزمة غلاء المعيشة - فقد حان الوقت لإعادة النظر، ما سيمنح البنك منبرًا لتوضيح أهدافه وأدواته المتاحة. 

لإسكات المشككين، هناك عديد من القضايا التي تحتاج إلى معالجة، بما في ذلك تنوع الأفكار في لجان السياسات بالبنك، والمساءلة أمام البرلمان والجمهور، واتساع نطاق اختصاصه، والتفاعل بين السياسة النقدية والاستقرار المالي، واتصالات البنك. 

والآن على الأرجح هو الوقت المناسب للتحرك. قبل 3 سنوات فقط، هاجمت رئيسة الوزراء آنذاك، ليز تروس، البنك لعدم توقعه رد فعل السوق على ميزانيتها المشؤومة. كانت محاولة إجراء أي تغييرات على سياسة بنك إنجلترا في مثل هذه البيئة المشحونة ستشكل تحديًا كبيرًا. على النقيض تمامًا، تعهدت وزيرة المالية الحالية، راشيل ريفز، وهي موظفة سابقة في بنك إنجلترا، بعدم التدخل في استقلال البنك، وبالتالي ستكون أقل ميلًا لتسييس أي إجراء للبنك.

لن ينطبق الأمر نفسه بالضرورة على من يخلفها. كما قال نائب محافظ بنك إنجلترا السابق، بول تاكر، في مؤتمر عُقد أخيرا في لندن، فإن أفضل طريقة للبنوك المركزية للحفاظ على استقلاليتها هي "القيام بعملها، والالتزام بالمهمة، وشرحها بأكبر قدر ممكن من الوضوح. لا تحاول التدخل في السياسة". المشكلة هي أن السياسة قد تستمر في التدخل في شؤونها.


رئيس الاتصالات في بنك إنجلترا والمحرر الأول في وكالة رويترز سابقا

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي