التراشق التجاري بين "الحلفاء"

كان واضحاً منذ اليوم الأول لوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، أنه لن يكون مرناً في ساحة التعريفات الجمركية مع الاتحاد الأوروبي. فالرجل أعلن في فترة رئاسته الأولى للبلاد، أنه ليس من "المعجبين" بهذه الكتلة، وشجع البريطانيين (كما هو معروف)، على استكمال إجراءات خروجهم منها بأسرع وقت. وتنسحب "مشاعر" الرئيس على فترته الثانية، التي شهدته في أسابيعها الأولى "تناغماً" مع المملكة المتحدة، بل وتسهيلات جمركية من واشنطن لم يكن أحد يتوقعها، حتى وإن كانت متواضعة. علاقة ترمب بالاتحاد الأوروبي، ليست مضطربة فحسب، بل تهدد حقاً ما تبقى من روابط "الحلفاء" التي تجمع عموماً القارة الأوروبية بالولايات المتحدة. لم تحدث على الإطلاق مثل هذه الفجوة بينهما في التاريخ الحديث.

الأوروبيون لن يصمتوا بالطبع على تهديدات الرئيس الأمريكي ببدء فرض رسوم جمركية بنسبة 30 % على الواردات القادمة من الاتحاد، مطلع الشهر المقبل. أصواتهم ارتفعت منذ اليوم الأول لإطلاق حملة التعريفات الجمركية الأمريكية. وهم يمتلكون أدوات الرد، إلا أنهم يفضلون (وفق المنهجية الأوروبية المعروفة عموماً) التفاهمات وحتى التنازلات التي لا تنال من توجهاتهم الاقتصادية.

موقف ترمب الجديد، أتى في الواقع بعد سلسلة من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي (بالتزامن مع مفاوضات مشابهة مع المكسيك)، لم تفض إلى أي تفاهم يمكن بناء اتفاق تجاري على أساسه. ما يطلبه البيت الأبيض يدخل في نطاق المستحيل فعلاً. فهو يريد فتح السوق الأوروبية كلها أمام السلع الأمريكية دون أي تعريفات جمركية، لماذا؟ لكي يتم تقليل العجز التجاري بين الطرفين، بحسب ما يراه.

بعيداً عن المبالغة في التقدير، فإن مثل ذلك سيؤدي حتماً إلى حرب تجارية، سيخسر الطرفان فيها، كما أنها ستتسبب في عودة الاضطرابات إلى سلاسل التوريد، التي واجهت على مدى أكثر من عامين، واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها. يصعب على المفوضية الأوروبية القبول بمطالب دونالد ترمب. فلا يمكن إعادة التوازن إلى الميزان التجاري عبر إلغاء كامل للرسوم، كما أن السوق الأوروبية ستواجه عجزاً كبيراً إذا ما قبلت بروكسل بذلك، مع ضرورة الإشارة إلى الجانب السيادي في هذا الشأن، لا يقدر القادة الأوروبيون تجاوزه بأي حل من الأحوال. إنها ليس عملية معقدة، بقدر ما هي سياسة يحب ترمب اتباعها، والقائمة على رفع سقف المطالب، من أجل الحصول على المستوى الأقرب لهذا السقف.

الأيام الفاصلة حتى نهاية الشهر الجاري، تمثل بالفعل فترة حساسة للغاية. فترمب الذي يدافع عن المصالح الأمريكية وفق رؤيته، يواجه أيضاً نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لا يتردد في الهجوم على المسؤولين الأمريكيين، عندما تقع الخلافات معهم. إنه هو أيضاً يدعو للدفاع عن المصالح الأوروبية، كيف؟ بتسريع وتيرة التحضير للإجراءات المضادة، عبر ما وصفه هو شخصياً بـ "استنفار كل الأدوات المتوافرة". إنها أيام مشحونة بين طرفين كانوا حتى الأمس حليفين متماسكين.

 

كاتب اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي