كيف نجذب مدخرات العاملين الأجانب؟
حققت المملكة العربية السعودية إنجازاً اقتصادياً لافتاً بخفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 6.3% في الربع الأول من عام 2025، مسجلةً بذلك أدنى مستوى تاريخي، مع تراجع سنوي مقداره 1.3 نقطة مئوية. هذا المؤشر ليس مجرد رقم إحصائي، بل هو ثمرة رؤية إستراتيجية تحوّلت فيها الطموحات إلى واقع ملموس، بفضل سياسات توطين الوظائف وتمكين الكفاءات الوطنية.
إلا أن المشهد الاقتصادي لا يخلو من تحديات، أبرزها اختلال التوازن في سوق العمل بين العمالة الوطنية والأجنبية، حيث تشكل الأخيرة 77% من قوة العمل في القطاع الخاص، مقابل 23% للسعوديين.
ففي مايو 2025، قفزت هذه التحويلات بنسبة 21% لتصل إلى 15.2 مليار ريال مقارنة بالعام السابق. هذا النمو يبرز حيوية السوق، لكنه يطرح تساؤلات حول كيفية تحويل هذه التدفقات المالية إلى مدخرات واستثمارات محفزة للنمو بدلاً من أن تصبح موارد مستنزفة. لتعظيم الفائدة من الوجود الأجنبي، يمكن تبني آلية ذكية تربط رسوم الإقامة والمرافقين بمدى مساهمة العامل في الاستثمار المحلي من خلال نظام حوافز تصاعدي لتخفيض رسوم الإقامة بنسب تتناسب مع حجم الاستثمار المحلي للفرد ونسبة مدخراته المودعة في السعودية من إجمالي دخله، منح خصومات أكبر للعاملين الذين يحافظون على استثماراتهم لفترات أطول، ما يعزز ولاءهم للاقتصاد الوطني.
أن يقود البنك المركزي السعودي بالتعاون مع القطاع الخاص تصميم صناديق استثمارية مخصصة للأجانب، تكون مُعفاة من رسوم معينة مقابل استثمار مدخراتهم فيها. وسيكون انعكاس لهذا النموذج على تحفيز الاستثمار الداخلي، تحويل جزء من التحويلات إلى مشاريع تنموية، كالأسهم أو العقارات، ما يدعم الاقتصاد الوطني، زيادة إنفاق العمالة على الخدمات المحلية (السكن، التعليم، الصحة)، ما ينعش سلاسل القيمة الاقتصادية، تحفيز وتشجيع العمالة الماهرة التي تسهم في بناء الاقتصاد للعمل فترات أطول. النجاح السعودي في خفض البطالة يستحق الإشادة، لكن الاستدامة تتطلب سياساتٍ ذكيةً تحوّل التحديات إلى فرص.
الربط بين رسوم الإقامة والاستثمار ليس مجرد إجراء مالي، بل هو رؤية تواكب التحوّل من اقتصاد قائم على الاستهلاك إلى اقتصاد يُنتج الثروة ويوزعها بوعي. كما قال الأمير محمد بن سلمان: "الاقتصاد القوي هو الذي يُحوّل الموارد إلى أصول دائمة". فلنعمل معاً ليكون الازدهارُ إرثاً، لا مؤقتاً عابراً.