السعودية وجاذبية الاستثمار.. بين النمو الاقتصادي والتنافسية

لم يكن تدفق كبار المستثمرين العالميين، وقادة شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي إلى السعودية،وليد المصادفة، بل انعكاس لرؤية إستراتيجية متكاملة، ومناخ استثماري محفّز وواعد، ومشاريع عملاقة تتسم بالموثوقية والجدوى الاقتصادية. إنها رسالة صامتة للعالم، لكنها مليئة بالمعاني: من أراد أن يكون جزءًا من المستقبل، فإن بوابته السعودية.
وفي ظل التحوّل الكامل نحو حكومة رقمية، وحوكمة مؤسسية متقدمة، أصبحت السعودية بيئة استثمارية جاذبة وآمنة، خصوصًا للاستثمارات الأمريكية، التي ترى فيها شريكًا موثوقًا يُعزز المصالح المشتركة.
إن الأحداث العالمية المقبلة، مثل "إكسبو الرياض 2030" واستضافة كأس العالم، إلى جانب المشاريع العملاقة المتسارعة، لا تجذب رؤوس الأموال فحسب، بل ثقة العالم، ورؤيته، وشركاته، وقادته. فالسعودية اليوم بقيادة الأمير محمد بن سلمان لا تكتفي بدور المراقب، بل تكتب فصلًا جديدًا من الريادة، وتصوغ مستقبل الاقتصاد العالمي بعقلية طموحة وقيادة تؤمن بأن المكان الطبيعي للسعودية هو في القمة.
أن السعودية تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي، حيث تجاوزت في 2023 مستهدف الإستراتيجية الوطنية للاستثمار بنحو 16%، ما جعل السعودية تحتل المرتبة الثانية ضمن مجموعة العشرين، من حيث نمو الصافي من هذه التدفقات. و تحتل المرتبة الرابعة في نمو رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر؛ حيث ارتفع 13% ليصل إلى نحو 900 مليار ريال في عام 2030، مشيرًا إلى أن حجم مشاركة المستثمرين الأجانب في أسواق السعودية المالية تجاوز 350 مليار ريال.
وتبين هذه الأرقام تؤكد جاذبية السوق السعودية والاستقرار السياسي والاقتصادي، ما انعكس على افتتاح أكثر من 600 شركة أجنبية لمقارها الإقليمية في السعودية متجاوزة مستهدف 2023 لبرنامج جذب المقرات الإقليمية.
تتصدر السعودية قائمة الوجهات الاستثمارية الجاذبة عالميًا، مدعومةً بمعدلات نمو اقتصادي قوي، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر 266 مليار ريال في 2023، وفقًا لرؤية 2030 التي حوّلت السعودية إلى سوق ديناميكية متنوعة. لكن السرّ الحقيقي وراء هذه الجاذبية لا يعتمد فقط على النمو، بل على السياسات الضريبية والرسوم المُحفِّزة، التي تُعدّ الأكثر تنافسية في المنطقة.
تتميز السعودية ببنية ضريبية بسيطة وشفافة، أهم ركائزها.. ضريبة الشركات تُطبّق بنسبة 20% على الشركات الأجنبية فقط، بينما تُعفى الشركات السعودية والخليجية منها، وتستبدلها بالزكاة 2.5% على الوعاء الزكوي، وهذه النسبة أقل من نظيراتها في دول كالهند (25%) أو البرازيل (34%). ضريبة القيمة المضافة (15%) مع استثناءات مهمة في قطاعات التعليم والصحة، ما يخفف الأعباء على الاستثمارات الاجتماعية. التحدي الذي يجب معالجته الرسوم الإدارية المخفية رغم المزايا الضريبية، يواجه المستثمر المحلي و الدولي رسومًا إدارية متعددة و بأسماء مختلفة من جهات حكومية و شبه حكومية، التي تزيد تكاليف الاستثمار .
وهنا تبرز الحاجة إلى.. وجود منصة إلكترونية موحدة لنشر جميع التكاليف و فترة سريانها الإلزامية، تقليل تداخل الجهات الحكومية وشبه الحكومية في فرض الرسوم، مقارنة السياسات الضريبية الشاملة (ضرائب و رسوم ) دوريًا مع الدول الأكثر تنافسية لضمان الاستمرارية التنافسية.
النمو الاقتصادي السعودي مثير، لكن تعزيز الجاذبية الاستثمارية يتطلب مزيدًا من التبسيط، المراجعة والشفافية في النظام الضريبي والرسوم. بذلك، ستُرسي السعودية أساسًا متينًا لتصبح الوجهة الأنسب عالميا بدلاً من كونها منافسًا إقليميًا فحسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي