مشروع ترمب الضريبي يشعل الجدل حول مستقبل الدين الأمريكي

مشروع ترمب الضريبي يشعل الجدل حول مستقبل الدين الأمريكي

في تطور يبرز خطورة الوضع المالي في أمريكا، تجاوز الدين العام الفيدرالي حاجز 36 تريليون دولار لأول مرة، ما فتح الباب أمام نقاشات واسعة حول السياسات المالية المستقبلية.

وفي قلب هذه النقاشات، يبرز مشروع الرئيس دونالد ترمب الجديد المعروف باسم "القانون الجميل والضخم"، الذي يمثل حزمة ضخمة لإعادة هيكلة منظومتي الضرائب والإنفاق الحكومي.

المشروع الذي أقره الكونجرس أخيرا ويتضمن مزيجا من التخفيضات الضريبية الواسعة وزيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي، إلى جانب تقليص نسبي لبعض برامج الدعم الاجتماعي، أعاد إشعال الجدل حول مستقبل الدين الأمريكي بحسب خبراء تحدثوا لـ"الاقتصادية".

المشروع يعد من أضخم التحولات التشريعية في السياسة المالية الأمريكية منذ عقود، ويستهدف، بحسب مؤيديه، تحفيز النمو الاقتصادي، وإنعاش الاستثمارات، واستعادة مكانة أمريكا التنافسية عالميا في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة.

فلسفة اقتصادية محافظة

يقول الدكتور جونسون مات، أستاذ المالية العامة، إن المشروع "يُظهر فلسفة اقتصادية محافظة تركز على تحفيز النمو من خلال خفض الضرائب وتوسيع القاعدة الإنتاجية". ويضيف أن الإعفاءات الضريبية، خاصة على الشركات، ستشجع على إعادة توطين المصانع والاستثمارات داخل أمريكا، وتخلق فرص عمل جديدة.

وبينما يشير البعض إلى أن المستفيد الأكبر من المشروع هم الأثرياء، يرى مؤيدوه أن القانون يتضمن بنودا داعمة للطبقة المتوسطة والعاملين، مثل إعفاء الإكراميات والعمل الإضافي من ضريبة الدخل الفيدرالية، ما يعزز القوة الشرائية للعاملين في قطاعات الخدمات والوظائف الموسمية.

كما يرى المدافعون أن هذه الإجراءات تبرز اهتماما واضحا بزيادة الدخل الصافي للفئات التي لم تستفد في السابق من التخفيضات الضريبية الكبرى.

وقد أثار القانون أيضا خلافا علنيا بين الرئيس ترمب والملياردير إيلون ماسك، الذي وصف المشروع بأنه "فظاعة مقززة"، منتقدا ما اعتبره تفريطا في الانضباط المالي وتضخما غير مبرر في الإنفاق الفيدرالي.

 

 

يثير المشروع مخاوف جدية بشأن العجز المالي والدين العام الأمريكي. فبحسب مكتب الميزانية في الكونجرس، من المتوقع أن يؤدي القانون إلى خفض في الإيرادات الفيدرالية بقيمة 3.67 تريليون دولار، مقابل خفض في الإنفاق لا يتجاوز 1.25 تريليون، ما يعني زيادة صافية في العجز تقارب 2.4 تريليون دولار خلال عقد. وتشير توقعات رسمية إلى أن الدين قد يتجاوز 50 تريليون دولار بحلول 2034، إذا لم تتخذ إجراءات تصحيحية حاسمة لتفادي مسار مالي غير مستدام.

وتحذر الدكتورة أوليف جراي، أستاذة الاقتصاد الدولي، من أن هذا الخلل يدفع الحكومة إلى الاعتماد المتزايد على الاقتراض لسداد الفوائد، لا لتمويل مشاريع إنتاجية أو تنموية.

وتقول إن "أمريكا تدخل مرحلة حرجة تتطلب مراجعة شاملة للإنفاق، خاصة مع تنامي التحديات المرتبطة بشيخوخة السكان وتباطؤ النمو المحتمل في قطاعات حيوية كالصحة والتكنولوجيا".

وكالات التصنيف القلق الأكبر

القلق الأكبر يأتي من الأسواق المالية ووكالات التصنيف، التي بدأت بالفعل بخفض التصنيف الائتماني الأمريكي، في إشارة إلى تنامي المخاطر المرتبطة بقدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها المالية.

يشير الباحث في الاقتصاد الكلي توماس سيليجر إلى أن "الارتفاع الحاد في مدفوعات الفائدة، والاعتماد الكبير على أدوات الدين قصير الأجل، يهددان الاستقرار المالي الأمريكي على المدى الطويل".

بينما تلفت آن ريد، الباحثة في بنك إنجلترا، إلى أن المشكلة ليست وليدة إدارة ترمب فقط، بل نتيجة تراكمات لسياسات توسعية خلال رئاسات بايدن وأوباما وبوش.

وتضيف "الرقم المطلق للدين الأمريكي ضخم، لكنه يبرز أيضا حجم الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك، فإن استمرار الاعتماد على الاقتراض لسداد فوائد الديون، وليس للاستثمار، يمثل مسارا محفوفا بالمخاطر وبعيدا عن المرونة المالية المطلوبة".

ويحذر المحلل الاقتصادي ديزموند ماتياس من أن جوهر الخلل في "مشروع القانون الجميل والضخم" يكمن في اعتماده على توقعات نمو متفائلة قد لا تتحقق فعليا.

فإذا تباطأ الاقتصاد أو لم تكن عائدات الضرائب كما هو متوقع، فإن ذلك سيقوض ثقة المستثمرين الدوليين ويثني رؤوس الأموال الأجنبية عن دخول السوق الأمريكية، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية أوسع وتفاقم فجوة الدخول بين الطبقات، وهي أزمة اجتماعية لا تقل خطورة عن العجز المالي.

سمات

الأكثر قراءة