إصلاح شامل لاقتصادات العالم العربي «4 من 4»
ينبغي أن تولي الحكومات الأولوية للتدابير النافعة في إطار كل سيناريوهات تغير المناخ المعقولة والعمل على بناء قدرات التكيف. فمن خلال نماذج المحاكاة التي أعدها البنك الدولي لتجربة المغرب، يتبين أن الاستثمار في البنية التحتية للمياه يمكن أن يعزز القدرة على تحمل موجات الجفاف، ما يقلل خسائر إجمالي الناتج المحلي بما يقرب من 60 في المائة، ويحد من ارتفاع الدين العام. وبالنسبة إلى الدول منخفضة الدخل والهشة والمتأثرة بالصراعات، ينبغي أن تتمثل أولويتها الآنية في تعزيز ممارسات التأهب للكوارث، وإدارة الموارد المائية، وضمان قدرة البنية التحتية على التكيف. وينبغي لهذه الدول أيضا تنمية قدراتها المؤسسية للتصدي لتغير المناخ مع تعزيز قدرة مجتمعاتها على الاستجابة لمواجهة الصدمات.
من شأن اعتماد التكنولوجيا الحديثة أن يعزز فرص التحول الجذري. ووفقا لدراسة أعدها البنك الدولي، يمكن أن يرتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بأكثر من 40 في المائة في ظل التحول الرقمي الذي يؤدي إلى رفع مستويات الكفاءة والإدماج والصلابة. غير أنه لا تزال هناك إمكانات كبيرة غير مستغلة بعد. فالهواتف الذكية مستخدمة على نطاق واسع، لكن التجارة الإلكترونية لا تزال حديثة العهد. ولا تزال أوجه التفاوت قائمة في اعتماد التقنيات الرقمية بين الدول منخفضة الدخل والدول مرتفعة الدخل في المنطقة.
ولتشجيع التحول الرقمي، يتعين على الحكومات إيجاد بيئة تمكينية قوية. وهذا يعني تقوية البنية التحتية الرقمية، والنهوض بالثقافة الرقمية، وتنمية مهارات القوة العاملة. فمثل هذه التدابير يمكن أن تقلل تكاليف اعتماد التقنيات الرقمية، خاصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وبدأت تونس، على سبيل المثال، مسيرة هذا التحول في 2018 بوضع "قانون الشركات الناشئة"، الذي يبسط الإجراءات الإدارية، لتشجيع ريادة الأعمال والابتكار في القطاع الرقمي.
وبشأن الحديث عن التغيير في رحلة طويلة، فإنه رغم أن الإصلاحات ستستغرق وقتا طويلا لكي تؤتي ثمارها، فإن ضمان نجاحها يقتضي توافر بعض المكونات الأساسية، بل الحيوية. واستنادا إلى التجارب السابقة عبر دول المنطقة، فإن شعور الحكومات بملكيتها التامة لبرامج الإصلاح هو عامل رئيس لنجاح الإصلاحات واستمرارها. ومثل هذا الشعور بالملكية سيساعد الحكومات في التغلب على مقاومة التغيير. والمكون الثاني هو شفافية التواصل لضمان إبلاغ الجمهور بضرورة التغيير وبناء التأييد اللازم للاختيارات العسيرة. وسيتطلب ذلك إقامة حوار حقيقي في اتجاهين، تقوم الحكومات من خلاله بتلقي الآراء التقييمية من الأطراف المعنية الرئيسة وإدراجها في برامج الإصلاح. فمن الضروري أن يشعر الناس بقدرتهم على التأثير في النتائج وليس مجرد الخضوع لسياسات لن تعود بالنفع إلا على القليلين منهم.
التحول الهيكلي ليس بالعملية الخطية، فقد سعت حكومات كثيرة إلى تنفيذ تغيير دائم واسع النطاق، لكنها وجدت نفسها بدلا من ذلك تواجه صدمات خارجية غير مواتية، وأوضاعا داخلية صعبة، وصراعات داخلية وخارجية. إضافة إلى ذلك، فإن أي تصور بأن "الإصلاحات" مزورة لتنتفع منها فئة صغيرة من ذوي الصفوة يمكن أن يعرقل زخم الإصلاح، ولهذه الأسباب يعد تسلسل الإصلاحات مطلبا رئيسا، بحيث تبدأ بتدابير تحقق مكاسب واسعة النطاق واستثمار المكاسب السريعة في التغلب على التشكك وبناء سجل للأداء. فستكون هناك فترات من التقدم السريع وفترات أخرى تتعطل فيها عجلة التغيير. وينبغي أن تتسم الخطط الأصلية بالطموح والمرونة الكافية التي تسمح بالتعديل لمواكبة الظروف المتغيرة. وكما قال الرئيس الأمريكي السابق دوايت أيزنهاور ذات مرة: إن "الخطط عديمة الفائدة، لكن التخطيط لا غنى عنه".