الشباب .. ثروتنا الأولى

الشباب .. ثروتنا الأولى

توجه الأنظار والنقاشات عادة في المناسبات الوطنية والقومية إلى الماضي، باستحضار الأمجاد والبطولات، أو الحاضر بحصر المنجز حالا والمأمول مستقبلا، في السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة... وغيرها من المجلات، دون اكتراث ولا عناية كبرى بعماد وأساس ذلك كله، إنه الرأسمال البشري، فالاستثمار في البشر، كان على مر التاريخ أكثر وقعا وأقوى تأثيرا في نهضة الشعوب وتقدم الأمم، من الاستثمار في الحجر.
كان هذا الاهتمام حاضرا بقوة لدى القيادة في المملكة العربية السعودية، فالرؤية الثاقبة لصناع القرار في الرياض وضعته في صلب اهتمامهم، وكان ذلك بارزا في كلمة ولي العهد محمد بن سلمان، عند إعلانه مشروع "رؤية المملكة 2030"، حيث قال: "ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت هي شعب طموح، معظمه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله، وبسواعد أبنائه، سيفاجئ هذا الوطن العالم من جديد".
لا مراء في صعوبة وجسامة التحول الذي تشهده المملكة منذ عدة أعوام، فالبلاد بصدد كتابة صفحة جديدة في التاريخ، بأيدي وسواعد أبنائها وبناتها، سيرا على خطى الأجداد لحظة التأسيس، حين تحدوا القوى المعادية، دون اعتماد على موارد نفطية أو مواد طاقية. وليس مبالغة في القول بأن العنصر البشري "المعطى الديموغرافي" في المملكة أثمن من مورد آخر كيفما كانت طبيعته. فالشيخوخة أضحت داء مزمنا يهدد صرح أقوى الاقتصادات في العالم، من دول القارة العجوز (ألمانيا، إيطاليا، السويد...) حتى بلدان جنوب شرق آسيا (اليابان، كوريا الجنوبية...).

2.52 % معدل نمو سنوي 

إحصائيا، تهيمن فئة الشباب على التركيبية السكانية في المملكة، فأكثر من نصف السكان تحت سن 30 عاما. وعلى أساس متوسط معدل نمو سنوي يقدر بـ 2.52 في المائة سنويا، يتوقع أن تكون البلاد ضمن الدول القلائل في العالم ذات التركيبة السكانية الأصغر، لا بل ستكون ثاني دولة، بنسبة 25.2 في المائة، في الفئة العمرية 15-24 عاما، بعد نيجيريا بنسبة 33.6 في المائة. هكذا تتفتق ثروة جديدة في المملكة، لتعزز فرص وحظوظ أكبر اقتصاد في العالم العربي، للحفاظ على الريادة عربيا وإقليميا، حتى دوليا بعد دخوله نادي العشرين.
يمثل الشباب وقود أي اقتصاد مزدهر، فهم أساس تحريك الدورة الاقتصادية؛ فاعلين (صانعين) ومنفعلين (مستفيدين)، فدخول أعداد متزايدة منهم في الدورة الاقتصادية (العمل الحكومي أو القطاع الخاص أو أعمال حرة) يزيد الدائرة الاقتصادية اتساعا، فضلا عن كون هذا الانخراط سببا مباشرا في كثرة الطلب على السلع والخدمات، ما يمثل في النهاية دفعة قوية لعجلة الاقتصاد.
معطيات وأخرى اشتبكت لتنسج خيوط الثورة الهادئة التي تشهدها المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الذي يبقى خير مثال ملهما لكافة الشباب السعودي الطموح المتفائل الواثق من نفسه ومن المستقبل. وما الأرقام التي كشف عنها استطلاع رأي، العام الماضي، سوى دليل على ذلك. فقد أعرب 99 في المائة من المشاركين فيه عن ثقتهم في قدرة "رؤية المملكة 2030" على بناء اقتصاد قوي للمملكة. واعتقدت الأغلبية بأن الأيام المقبلة في المملكة ستكون أفضل، فمن بين كل عشرة مشاركين يتوقع تسعة أن يحظوا بحياة أفضل من آبائهم.
تراخت أثار الرؤية لتنعكس لا على الواقع فقط، بل حتى في أذهان الشباب بإحداث تمثلات جديدة في وعي الشباب السعودي، قوامها حجم المشاريع والبرامج والمبادرات طي الرؤية. فبخلاف جيل الآباء المرتبطين بالوظائف الحكومية، يفضل 43 في المائة الأعمال التجارية مقابل 34 في المائة فقط للأولى، فيما اختار 23 في المائة العمل بشكل مستقل أو مع العائلة.

مساعي الرؤية .. إعطاء الكلمة
إذا كانت مساعي الرؤية هي إعطاء الكلمة للقطاع الخاص لقيادة الاقتصاد بدل الحكومة، فذلك يعني ضمنيا تفويض المهمة للشباب التي يتولى إدارة وتدبير هذا القطاع، من خلال خطط وبرامج ترمي تنمية وإنعاش المشاريع الصغرى والمتوسط، التي ترصد الرؤية ضمن أهدافها رفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي إلى 70 في المائة، فهذه المشاريع في العالم بأسره أقوى سلاح ضد آفة البطالة.
كل صعب على الشباب يهون هكذا همة الرجال تكون
قدم في الثرى وفوق الثريا همة قدرها هناك مكين
قد سحبناهم رجالا فكانوا ولهم في الحياة مغزى ثمين
أبيات شعرية للأديب والمفكر المغربي الراحل علال الفاسي وجدت صدى لها لدى شباب وشابات المملكة العربية السعودية ممن يرفعون راية التحدي عاليا، مثبتين أن الرأسمال البشري أولا ثم بعدها باقي أنواع الرساميل، أساس نهضة الشعوب وتقدم الأمم عبر التاريخ.

سمات

الأكثر قراءة