إصلاح شامل لاقتصادات العالم العربي «1 من 4»
آن الأوان لإعادة النظر في محركات النمو الاقتصادي عبر مختلف دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي عالم يتسم بسرعة التغير، هناك فرص غير مسبوقة أمام دول المنطقة البالغ عددها 24 دولة لتأمين النمو الشامل للجميع، وإيجاد وظائف عالية الجودة، وتحسين الاستجابة لطموحات مواطنيها البالغ عددهم 600 مليون نسمة. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بإمكانها الاستفادة من البيئة العالمية المتغيرة.
تمتد هذه المنطقة على مساحة أربعة آلاف ميل وأربع مناطق زمنية من المغرب إلى إيران. وتضم بعض أغنى دول العالم، وبعض أفقر الدول ـ الصومال والسودان واليمن. رغم أن دول العالم العربي تتسم بتنوع اقتصاداتها وسكانها، فإنها تشترك في عديد من الخصائص، منها وحدة التاريخ واللغة والروابط الثقافية العميقة.
على مدار العقدين الماضيين، شهدت منطقة اﻟﺸﺮق الأوسط وﺷﻤﺎل إﻓﺮﻳﻘﻴﺎ تغيرات هائلة، إلى جانب تحولات غير كافية لاستشراف المستقبل ـ استمرار النمو الباهت طويل الأمد، وضعف مشاركة المرأة في القوى العاملة، وارتفاع البطالة بين الشباب. ويتعرض بعض الدول لضغوط متزايدة الحدة مرتبطة بالديون، والتضخم المرتفع، والعوامل الديموغرافية، والمساواة.
مع ذلك، في خضم هذه التحديات تكمن فرص جديدة لتأمين النمو الشامل للجميع وصنع الوظائف المستدامة على خلفية تطورات الجائحة والتغير المناخي والثورة الرقمية. ويشمل ذلك التحول الرقمي، والاستثمار الأخضر، والأسواق الاقتصادية الجديدة، وتحول نظام الطاقة، وطبيعة العمل المتغيرة. وبالفعل بدأت دول، مثل مصر وموريتانيا والمغرب والإمارات الاستفادة من فرص الطاقة الخضراء. وبإمكان المنطقة كذلك اقتناص فرصة الاستفادة من توسع التجارة البينية ريثما تجري إعادة مواءمة سلاسل الإمداد العالمية.
وسيتعذر الاستمرار في الوضع الراهن لهيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي، خاصة في الدول المثقلة بالديون التي تعاني ارتفاع تكاليف التمويل. فلن يكون بوسع هذه الدول، الغارقة بالفعل في مشكلات بطالة الشباب المرتفعة وعدم المساواة بين الجنسين، أن تستوعب أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل المتوقع أن تبلغ أكثر من 100 مليون شخص خلال الأعوام العشرة المقبلة، إلا إذا قامت بتغيير نموذج النمو فيها. وستؤدي سياسة عدم التغيير إلى احتدام المخاطر المحيطة بالتماسك الاجتماعي الضعيف بالفعل ـ فضلا عن الضغوط الناجمة عن سرعة احترار الكوكب والتطورات الجذرية في الاقتصاد العالمي.
ومن شأن عقد "صفقة جديدة" للمنطقة أن يحقق الأهداف المعروفة تماما التي طال انتظارها لتلبية تطلعات شعوب المنطقة، ألا وهي: زيادة فرص العمل، وتحسين التعليم، وتعزيز كرامة المواطن، وتحسين نظم الحوكمة، وتوزيع الفرص والموارد الاقتصادية على نحو أوسع نطاقا وأكثر عدالة. فكيف يمكن إذن لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط تحقيق التحول والحد من مواطن الضعف وبناء الصلابة في مواجهة الصدمات المستقبلية؟ وكيف يمكنها دفع عملية التغيير مع تشجيع زيادة التعاون العالمي؟ وبشأن الحديث عن الاستقرار الاقتصادي، فإنه لا شك أن التركيز على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي هو نقطة الانطلاق. فمع قيام عديد من الحكومات بزيادة الإنفاق، وتقديم الدعم الاجتماعي لمواجهة جائحة كوفيد - 19، وأزمة غلاء المعيشة، وهو عين الصواب، لم تأت مثل هذه التدابير دون تكلفة، واستدعت في الأغلب الاقتراض... يتبع.