"الحلم زاد القادة، وقدرهم أيضا"، قد لا يصدق المواطن أو المواطنة السعودية ما يراه بعينيه وهو يقود سيارته بكل أريحية ويتنقل بها بين أحياء الرياض من الشميسي إلى العريجاء حتى يصل إلى طريق الملك فهد، حيث الأبراج الشاهقة التي يسكنها الوزارات والهيئات والصناديق، والمكاتب المضاءة بسبب العمل الذي لا يتوقف، أما في المصاعد فيحتشد رجال الأعمال من كل أنحاء العالم أملا في إيجاد موطئ قدم في درة الشرق الأوسط.
جولة فخر، تذكر المواطن أو المواطنة بما درسه في المقررات عن عراقة مدينة وحضارة عرفت الوجود البشري منذ نحو ربع المليون عام، ومن وقتها كانت الرياض أرض الأحداث الكبرى في الجزيرة العربية، بداية من القبائل التي استوطنت وادي حنيفة وعاشت على ضفافه، ومرورا باتخاذها عاصمة للدولة السعودية الثانية عام 1818 من قبل الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، وصولا إلى اللحظة الكبرى عام 1902 حين دخلها الملك عبدالعزيز ومنها انطلق إلى توحيد معظم أرجاء دولته، لتصبح هي قاعدة الكيان الكبير الذي سيعرفه العالم في 23 سبتمبر 1932 باسم المملكة العربية السعودية، وهو اليوم الوطني السعودي الذي لم يكن أكثر من حلم تحقق على يد الملك المؤسس.
أحلام متوارثة لا تعرف الحدود
لكن لم يكن ذلك سوى أول الغيث، وإذا كانت جملة "أحلامي لا تعرف حدود" تنسب إلى كثيرين، فيمكن اعتبار الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله- أول من طبق تلك القاعدة قبل أن يعرفها الآخرون، فبعد توحيد وتأمين مملكته، سرعان ما انطلق من شوارع الرياض التي لم تكن عرفت الإسفلت حينها، وبعد نحو عقد من الزمان تحديدا في 1945 كان يؤسس مطار الملك عبدالعزيز الدولي، معلنا دخول بلاده عصر النقل الجوي، هذا المطار الذي سيحتل المرتبة 41 ضمن أفضل 100 مطار في العالم عام 2023، كما احتلت الخطوط السعودية الجوية المركز 23 ضمن أفضل شركات الطيران من العام نفسه، بحسب سكاي تراكس العالمية.
الأحلام تورث كاللغة، هكذا أثبت آل سعود، ففي حقبة الستينيات كان الحلم وضع المملكة على الخريطة العربية والعالمية بما يليق بمكانتها، وتولى المهمة الملك فيصل من خلال الدور العروبي الذي أدته السعودية بالتعاون مع مصر، ليقودا الوطن العربي إلى بر الأمان بعد فترة من الأخطار، وفي منتصف السبعينيات كان جميع قادة العالم يدركون أن المملكة هي رمانة ميزان الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بما تمثله من مكانة ريادية وإرث سياسي وديني وثقافي.
لم تتوقف أحلام السعوديين ولم يخلف ملوكها الوعد مرة، هكذا بني هرم المجد على قاعدة صلبة خلال الثمانينيات التي شهدت نهضة التصنيع والزراعة في عهد الملك فهد الذي تمكن خلال فترة حكمه من تأسيس بنية تحتية قوية من طرق ومطارات، إضافة إلى تولي كل شيء يخص صناعة النفط ومراحله من التنقيب إلى الإنتاج والتكرير، مرورا بالاكتفاء الذاتي من منتجات الألبان والدواجن ووصولا إلى احتلال المرتبة الأولى عالميا في إنتاج التمور، وبناء 200 سد مائي، وعلى هذا النهج سار أيضا الملك عبدالله حتى تسلم الراية الملك سلمان بن عبدالعزيز ومعه ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان.
على قدر أهل الحلم تنفذ الأحلام، ولم يكن حلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سوى نقل السعودية ومعها الوطن العربي كله إلى الريادة العالمية وذلك في غضون أعوام قليلة، هكذا أعلن في 2016 حين وضع استراتيجية متكاملة تسير عليها بلاده فيما عرف برؤية 2030، وهي رؤية عدها كثيرون غير قابلة للتنفيذ، أو على الأقل تحتاج إلى خمسة عقود، وفي الوقت الذي ظن كثيرون أن ما قيل قد لا يحدث كانت الخطط توضع محل التنفيذ وما كان يحدث في عام صار ينجز في شهر، لتتوالى الأرقام والإحصاءات التي تؤكد أن ما حدث في السعودية معجزة.
كيف قاد الحلم طموحات السعوديين خلال 93 عاما؟
طمحت رؤية 2030 إلى جعل الاقتصاد غير النفطي يشكل نسبة 65 في المائة من اقتصاد المملكة، وفي عام 2022 وصلت إيرادات هذا القطاع إلى 2.3 تريليون ريال ما يعادل 61.1 في المائة من الناتج المحلي للمملكة التي تقدمت في العام نفسه إلى المركز الـ17 بين أكبر اقتصادات العالم بناتج محلي بلغ 111 تريليون دولار، ونصت الرؤية الطموحة على التحديث المستمر والاعتماد على التحول الرقمي، وفي 2021 احتلت الرياض المرتبة الثانية عالميا بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية، كما احتلت الحكومة السعودية المركز الأول في العام نفسه في مؤشر الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي وفق مؤسسة تورتويس إنتلجينس، فيما حلت ألمانيا ثانيا والصين ثالثا.
ولأن بعض الدول قد يكون إنتاجها عظيما لكن مردوده على الشعب نفسه ضعيف، فالمملكة نجت من هذا الفخ واستمتع السعوديون بكل إنجاز حققوه، ما أهلها إلى أن تحتل المرتبة الأولى كأسعد بلد عربي في مؤشر السعادة لعام 2021، كما احتلت المركز 34 عالميا في مؤشر جودة الحياة من العام نفسه، بالطبع تلك مجرد أمثلة، بل إيجازا لأن كل خطوة وإحصائية من تلك الإحصاءات لم تكن سوى حلم، وحلم بعيد المنال أيضا، لكنه تحقق في أعوام قليلة وغيره من الأحلام الكثيرة تحققت من خلال ملحمة تحتاج إلى صفحات أكثر من جريدة، وإذا كان شعار اليوم الوطني السعودي العام الماضي "هي لنا دار" في دلالة على الهوية والطموح، فإن شعار العام الحالي "نحلم ونحقق" تجسيدا حقيقيا لم حدث في دولة حققت خلال 93 عاما ما لم تحققه غيرها في قرون، وليفهم العالم أيضا سر تلك القوة والثقة التي تحدث بها ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان في منتدى مبادرة الاستثمار في الرياض عام 2018 بقوله : "الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة والسعودية خلال خمسة أعوام ستكون مختلفة، تلك حربي شخصيا ولن أغادر الحياة إلا بتحقيقها" أطال الله عمره وأدامه بخير وصحة وعافية.
أضف تعليق