تحديات ضوابط التصدير «2 من 4»
استنادا إلى البيانات التاريخية، نجد أن الصين استخدمت سياسات مختلفة لتقييد صادراتها من المواد الخام ومدخلات الإنتاج الحيوية الأخرى، وهو ما جاء أحيانا كرد فعل لضغوط سعرية مؤقتة على المستوى المحلي. ومن خلال تحويل الإمدادات إلى الأسواق المحلية، قدمت هذه القيود دعما ضمنيا للصناعات المتممة للإنتاج في الصين، وهو ما أتاح لها ميزة على منافسيها الأجانب. وجاء هذا التصرف من الصين رغم التزامها في إطار الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 بعدم تقييد صادراتها. وقد خسرت الصين منازعتين رسميتين أمام منظمة التجارة العالمية حول هذه المسألة وكانت تواجه منازعة ثالثة في 2016 قبل قرار الولايات المتحدة التخلي كلية عن استخدام نظام تسوية المنازعات.
وفي نيسان (أبريل) 2021، قامت الهند فجأة بحظر صادراتها من لقاحات كوفيد - 19. وكانت اعتبارات الصحة العامة كحافز لتصرفها مفهومة، فالهند كانت تمر بموجة مفاجئة وغير متوقعة من تفشي العدوى في الداخل. غير أن المشكلة كانت في الوعد الذي قطعته مرافق إنتاج اللقاحات في الهند، التي كانت تدعمها كيانات أجنبية، بما فيها مؤسسة بيل ومليندا جيتس، بتصدير مئات الملايين من جرعات اللقاح إلى آلية "كوفاكس"، ذراع صرف المساعدات متعددة الأطراف التي أنشئت لإيصال اللقاحات إلى عشرات الدول منخفضة الدخل. وقد توقفت هذه الصادرات، ما ترك آلية كوفاكس في وضع صعب لا فكاك منه، وتم الاستيلاء فعليا على التمويل الدولي الذي كان يمكن توجيهه لدعم الإنتاج العاجل للقاحات في غيرها من الدول. تتسم قواعد منظمة التجارة العالمية التي قد تحد من استخدام قيود التصدير على المستوى القومي بضعفها النسبي.
وفي 2022، استخدمت روسيا صادرات الغاز الطبيعي كسلاح في يدها. وتزامنا مع الحرب في أوكرانيا، قامت روسيا بقطع شحنات منتجات الطاقة إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب الغاز، فأوجدت بذلك ضغوطا سياسية ـ اقتصادية على الدول المعتمدة على الغاز الروسي. ومع إدراك الانعكاسات المترتبة على هذه المخاطر، جاءت استجابة دول العالم الأخرى في شكل إقرار سياسات للحد من حصولها على المنتجات الحيوية المماثلة من "الدول المثيرة للقلق". وكان من أبرز الأمثلة حتى الآن هو قرار الولايات المتحدة في ظل "قانون خفض التضخم" في 2022 بتقديم حوافز الخصم الضريبي التمييزية، في محاولة منها لتحويل مسار حصولها على مدخلات إنتاج البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية إلى مصادر أخرى خارج روسيا وكذلك الصين، وهو أمر مكلف، نظرا إلى أن الجانب الأكبر من الإنتاج في الوقت الحالي يتركز في هاتين الدولتين.
وأخيرا، قامت الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الصناعية بفرض قيود على صادرات المنتجات عالية التقنية، بحجة ضرورة اتخاذ تلك الإجراءات لحماية الأمن القومي. وتم تطبيق هذه الإجراءات في بعض الأحيان على أساس لاحق، على سبيل المثال، بعد عمل من أعمال الحرب. فقامت دول عديدة بحظر صادراتها من المنتجات عالية التقنية إلى روسيا، على سبيل المثال، في محاولة لإنهاء الحرب. وتطبق ضوابط التصدير في أحيان أخرى على نحو استباقي. فقد اتفقت اليابان وهولندا، على سبيل المثال، مع الولايات المتحدة على حظر صادراتها من المعدات المستخدمة في إنتاج أشباه الموصلات ذات العقد المتقدمة كرد فعل لسياسة "الدمج العسكري ـ المدني" التي أقرها الرئيس الصيني شي جين بينج... يتبع.