السوق السوداء الجديدة لبيع الكلى.. إرغام الفقراء على التبرع للأغنياء
استجوب مكتب التحقيقات الفيدرالي في نيوجيرسي عددا من الأشخاص، انتهى بالقبض على 44 شخصا من بينهم اثنان من رؤساء البلدية وبائع عقار بارز وعدد من الحاخامات اليهود. إلا أن ما شد انتباه السلطات أثناء التحقيق في تهم السرقات وغسيل الأموال، وجود تهم أخرى متعلقة بمواطن من نيويورك يدعى ليفي إزاك حاول بيع كلية مقابل 160 ألف دولار. وتعتبر تجارة الكلى في السوق السوداء مشكلة متفاقمة، فقد أوضحت منظمة الصحة العالمية أن 5 إلى 10 في المائة من عمليات زراعة الكلى في العالم تكون من كلى مباعة في السوق السوداء. لنرى الآن كيف يتم بيع الكلى.
عند النظر من كثب في تجارة الأعضاء نجد أن لها ثلاثة أطراف، طرف فيها متبرع معدم والطرف الآخر زبون مستعد لدفع أي مبلغ أما الطرف الثالث فهو الوسيط الجشع. وتتمركز معظم الصفقات في الدول النامية، حيث تساوي قيمة الكلية هناك قيمة تلفزيون من الفئات العالية. وتعتبر إيران الدولة الوحيدة في العالم التي تقر بيع الأعضاء، وتبلغ قيمة الكلية هناك ستة آلاف دولار. وينخفض السعر في الهند إلى النصف مع وجود وفرة في الأطباء المستعدين للقيام بالعمليات الجراحية. وفي عام 2008 قبضت الشرطة الهندية على مجموعة هربت كلى خارج نيودلهي، وأظهر التحقيق أنهم قاموا بإرغام العمال الفقراء على التبرع بكلاهم لبعض الزبائن الأغنياء. ويوضح المحققون أن هذه المجموعة موجودة منذ عدة سنوات ومن أهم أعضائها الدكتور أميت كومار حيث يستخدم بعض الأشخاص الذين يدلونه على المتبرعين. وهناك مجموعة أخرى في جنوب إفريقيا بلغت أوجها في الفترة ما بين عامي 2001 و2003، إضافة إلى السوق السوداء المزدهرة في الصين وباكستان والفلبين.
وتعتبر المتاجرة بالكلى أمرا صعبا في الولايات المتحدة، فقد تم منع بيع الأعضاء منذ عام 1984 أما عقوبته فهي السجن لمدة خمس سنوات وغرامة 50 ألف دولار أمريكي. ويمر المتبرع والمتلقي بسلسلة من المقابلات تشمل مقابلة موظف الخدمة الاجتماعية الذي يقوم بدوره بالتأكد من عدم وجود أي منفعة مادية تعود للمتبرع، كما يتأكد من استيعاب كلا الطرفين خطوات العملية الجراحية وتفاصيلها.
ويقول الدكتور آرثر ماتاس مدير قسم زراعة الكلى في كلية الطب في جامعة منيسوتا إنه على الرغم من أن المستشفى يسأل المريض والمتبرع بعض الأسئلة عن كيفية تعرفهم ببعضهم، إلا أنه لا توجد خطوات معينة يتبعونها لمعرفة ما إذا كان الموضوع سينتهي باستفادة المتبرع مادياً أم لا. ويواجه المتبرع سلسلة من المتطلبات قبل البدء بالعملية. حيث يجب أن يكون بصحة جيدة ليتحمل عملية تستغرق أربع ساعات، إضافة إلى التأكد من سلامة الجسم من الإيدز والتهاب الكبد والسرطان لأن ذلك من شأنه أن يستبعده من العملية، وبالطبع يجب أن يكون هناك تطابق في الدم مع المتلقي. وقد يستغرق تقييم المستشفى ثلاثة أشهر للموافقة على الزراعة. ويجب أن يعلم المتبرع أن موافقته على إجراء العملية الجراحية هذه تستوجب التزاما تاما، فلا يستطيع قيادة السيارة أو حمل أي ثقل لمدة ستة أسابيع، كما يجب أن يستريح لمدة شهر كامل على الأقل قبل عودته للعمل. ويعتبر روسنبوم أول شخص يتهم بتجارة الأعضاء في الولايات المتحدة، ووفقاً للتحقيقات فإن روسنبوم يدعو نفسه «الخاطب» حيث يحاول الجمع بين من يحتاج إلى زراعة عضو ومن يحتاج إلى المال. ويزعم أنه وجد شبكة بائعين في إسرائيل يتاجرون بالأعضاء هناك وذلك عن طريق استهداف المهاجرين الجدد. ويقول إنه يدفع للمتبرع نحو عشرة آلاف دولار مقابل خدماتهم ومن ثم يأخذ أكثر من عشرة أضعاف هذا المبلغ من المريض.
وهناك أكثر من 800 ألف شخص ينتظرون زراعة الكلى في الولايات المتحدة، إلا أن الانتظار على هذه القائمة قد يستغرق من سنة إلى ست سنوات، وتصل نسبة الأشخاص الذين يتوفون سنوياً أثناء انتظار تطابقهم مع أحد المتبرعين إلى 6 في المائة. وبعد عرض هذه النسب المزعجة, يرى البعض ضرورة إجازة بيع الكلى.
ويوضح الدكتور ماتاس أن دفع 100 ألف دولار في الخفاء تعتبر صفقة جيدة واقتصادية مقارنة بالنظام المتبع حالياً، حيث تدفع شركة «ميديكير» للتأمين بمبالغ طائلة لعدد لا نهائي من جلسات غسيل الكلى لجميع المرضى الأمريكيين.
ولا تزال فكرة وجود مركز لبيع الأعضاء فكرة ممقوتة لدى الكثيرين. ففي لقاء مع صحيفة «وول ستريت» عام 2007 ويقول البروفيسور فرانسيس دولمينيكو من جامعة هارفارد «إن دفع هذه الأموال يعتبر استغلالاً للأشخاص، فلا يبيع أعضاءه إلا الشخص المعدم، وهذا استغلال له». إلا أن ماتاس يختلف مع البروفيسور حيث يرى أن السماح بالتعويض المادي للمتبرعين بكلاهم لا يختلف عن السماح ببيع أعضاء الجسم الأخرى حيث يقول» إنه يتم دفع الأموال للأمهات البديلات، وكذلك للمتبرعين بالحيوانات المنوية أو بالشعر، وقد يتعذر الآخرون بكون ذلك أكثر أماناً من التبرع بالكلى. ولكن التبرع بالبويضات والحمل البديل لا يزال خطيرا ومع ذلك فهو قانوني». وعلى الرغم من أن السماح بالمتاجرة بالكلى يعتبر أمرا مستبعداً، إلا أن السماح بها سيقضي على ظاهرة روسنبوم وأمثاله.