تأملات في التطورات الإيرانية من الداخل
أرسلت هذا المقال من إيران على خلفية زيارة دامت عشرة أيام قضيت نصفها في العاصمة طهران, وحاولت أثناء الزيارة معرفة بعض التداعيات السلبية المحتملة للأحداث التي رافقت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية على آفاق الاقتصاد الإيراني. فقد سنحت لي الزيارة التحدث للعديد من الأشخاص فضلا عن زيارة بعض الشوارع التي شهدت الاحتجاجات.
وبدا لي بعد تكرار التجوال مشيا على الأقدام فضلا عن سيارات التاكسي والنقل العام والمترو أن طهران غير متوترة. وخير دليل على كلامنا هو عدم ملاحظة وجود أمني مكثف في الشوارع الرئيسة والمناطق العامة. وفي كل الأحوال حدثت أعمال الشغب في مناطق معينة وسط العاصمة رغم أهميتها النسبية. بيد أنه لم تشهد الأحياء الفقيرة في جنوب العاصمة أو إلى شمالها والتي بدورها تعد مرغوبة لدى الميسرة أحوالهم أية مسيرات مناوئة للنظام.
موقف البازار
هناك انتقادات للمرشح مير حسين موسوي بسبب تشجيعه لأنصاره على تنفيذ احتجاجات في بعض الشوارع الرئيسة مثل ولي عصر وانقلاب في وسط طهران. في المقابل، رأى البعض خصوصا التجار أنه كان على موسوي دعوة أنصاره لتنفيذ احتجاجات في الحدائق العامة مثل حديقة الشعب على غرار هايد بارك في لندن. ويمكن الزعم أن بعض التصرفات مثل الاعتداء على الأملاك العامة أفقدت موسوي بعض التعاطف الذي حصل عليه فور الإعلان عن نتائج الانتخابات.
الأمر اللافت هو قيام المؤسسات المتضررة بإصلاح الواجهات المتضررة بسرعة قياسية. وربما كانت هناك مبالغة حول حجم الضرر الذي لحق بالمؤسسات التجارية. وليس من المستبعد لجوء وسائل الإعلام الرسمية إلى تضخيم حجم الضرر لغرض تشويه سمعة المتظاهرين أمام الرأي العام المحلي والدولي.
في المقابل، يتحفظ كثير من التجار على تصريحات الرئيس محمود أحمدي نجاد حيال أمور مثل المحرقة ضد اليهود. ويرى البعض أن نجاد يتسبب في خلق المزيد من العداء لإيران على خلفية تصريحاته النارية. يبقى هناك توقع كبير بأن يغير نجاد سياسته الخارجية في ولايته الثانية لتحاشي إلحاق الضرر المادي باقتصاد بلاده.
تعزيز المصروفات
من جهة أخرى، هناك جوانب إيجابية لتداعيات الانتخابات وتحديدا توقع اهتمام السلطات الإيرانية ببذل جهود مضنية لمعالجة المشكلات الاقتصادية المحلية. فقد تبين مشاركة نسبة كبيرة من العاطلين الشباب في المظاهرات الاحتجاجية. وعليه يتوقع أن تتبنى السلطات الإيرانية إجراءات ليبرالية في المسائل الاجتماعية لغرض استمالة الشباب. كما من المنتظر أن تخصص السلطات المزيد من الأموال للمشاريع الاقتصادية بغية إيجاد وظائف جديدة للعاطلين والداخلين الجدد لسوق العمل. حقيقة القول، يتوقع أن تعمد الحكومة إلى تعزيز المصروفات العامة خلافا لما ذهبت إليه عند إقرار الميزانية العامة والتي بدأت في آذار (مارس). وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي قد حصل في وقت سابق من العام الجاري على موافقة البرلمان لميزانية السنة المالية 2009 و2010 رغم تحفظات بعض المشرعين. وكان بعض الأعضاء قد تحفظوا على تقليص حجم النفقات العامة بواقع 2.5 في المائة إلى 298 مليار دولار.
ويعود سبب تقليص النفقات إلى تذبذب أسعار النفط في أعقاب اندلاع الأزمة المالية العالمية، حيث تراجعت من 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) في 2008 إلى أقل من 40 دولارا مع نهاية العام الماضي. يسهم القطاع النفطي بنحو 80 في المائة من إيرادات الخزانة العامة في إيران, وتعد إيران رابع أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية وروسيا والولايات المتحدة.
العلاقات الإقليمية
إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تعمل الحكومة الإيرانية على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة لغرض تعويض فرضية تراجع علاقاتها التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي. وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد تبنت مواقف متشددة حيال إيران على خلفية استخدام القوى لقمع المتظاهرين واتهام بريطانيا بتأجيج الوضع. ولوحظ حصول تراشق دبلوماسي بين إيران وبريطانيا بسبب اتهامات إيرانية لهيئة الإذاعة البريطانية باللغة الفارسية بنشر برامج تحريضية. المعروف أن هيئة الإذاعة البريطانية تحصل على تمويل مالي من الحكومة البريطانية.
حقيقة القول، يتوقع أن تعرض إيران المزيد من التسهيلات على المستثمرين الخليجيين للعمل داخل إيران. وربما تعمل الجهات الإيرانية إلى إعادة إحياء عرض الدخول في مفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي لغرض إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين ضفتي الخليج. يشار إلى أن إيران تتمتع بعلاقة تجارية نوعية مع الإمارات، حيث تبلغ قيمة التجارة البينية أكثر من 12 مليار دولار. تعد الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين وألمانيا.
الشيء المؤكد هو أن الأزمة أساءت لسمعة إيران ومكانتها الإقليمية كدولة آمنة. ويبدو لي أن طهران ستبذل جهودا مضنية ولفترة غير قصيرة لإصلاح الضرر الذي أصاب صورة الجمهورية الإسلامية. لكن لا بد من التأكيد على أن النظام الإيراني ليس في خطر لا من قريب ولا من بعيد ومخطئ من يراهن على غير ذلك.